قال الجمهور إن هذه الرسالة { إلى مائة ألف } في رسالته الأولى التي أبق بعدها ، ذكرها الله في آخر القصص تنبيهاً على رسالته ، ويدل على ذلك قوله : { فآمنوا فمتعناهم إلى حين } ، وتمتيع تلك الأمة هو الذي أغضب يونس حتى أبق . وقال قتادة وابن عباس أيضاً هذه الرسالة أخرى بعد أن نبذ بالعراء وهي إلى أهل نينوى من ناحية الموصل ، وقرأ جعفر بن محمد ، «ويزيدون » بالواو ، وقرأ الجمهور «أو يزيدون » ، فقال ابن عباس «أو » بمعنى «بل » .
وكانوا مائة ألف وثلاثين ألفاً ، وقال أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم : «كانوا مائة وعشرين ألفاً » ، وقال ابن جبير : كانوا مائة وسبعين ألفاً ، وروي عن ابن عباس أنه قرأ : «إلى مائة ألف بل يزيدون » ، وقالت فرقة { أو } هنا بمعنى الواو ، وقالت فرقة هي للإبهام على المخاطب ، كما تقول ما عليك أنت أنا أعطي فلاناً ديناراً أو ألف دينار ، ونحو هذا قوله تعالى : { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون } [ آل عمران : 128 ] ، قال القاضي أبو محمد : وهذا المعنى قليل التمكن في قوله : { أو يزيدون } ، وقال المبرد وكثير من البصريين : المعنى على نظر البشر وحزرهم ، أي من رآهم قال : هم مائة ألف أو يزيدون .
ظاهر ترتيب ذكر الإِرسال بعد الإِنجاء من الحوت أنه إعادة لإِرساله . وهذا هو مقتضى ما في كتاب يونس من كتب اليهود إذ وقع في الإِصحاح الثالث : ثم صار قول الرب إلى يونس ثانية : قم اذهب إلى نينوَى وناد لها المناداة التي أنا مكلمك بها .
والمرسل إليهم : اليهود القاطنون في نينوَى في أسر الأشوريين كما تقدم . والظاهر أن الرسول إذا بعث إلى قوم مختلطين بغيرهم أن تعم رسالته جميع الخليط لأن في تمييز البعض بالدعوة تقريراً لكفر غيرهم . ولهذا لما بعث الله موسى عليه السلام لتخليص بني إسرائيل دعا فرعون وقومه إلى نبذ عبادة الأصنام ، فيحتمل أن المقدرين بمائة ألف هم اليهود وأن المعطوفين بقوله : { أوْ يَزِيدُونَ } هم بقية سكان ( نينوَى ) . وذكر في كتاب يونس أن دعوة يونس لمّا بلغت ملكَ نينوَى قام عن كرسيه وخلع رداءه ولبس مِسحاً وأمر أهل مدينته بالتوبة والإِيمان الخ . ولم يذكر أن يونس دعا غير أهل نينوَى من بلاد أشور مع سعتها .
وروى الترمذي عن أُبيّ بن كعب قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى : { وأرسلناهُ إلى مائة ألففٍ أو يَزِيدونَ } قال : « عشرون ألفاً » . قال الترمذي : حديث غريب .
فحرف { أو } في قوله : { أوْ يزيدونَ } بمعنى ( بل ) على قول الكوفيين واختيار الفراء وأبي علي الفارسي وابن جنّي وابن بَرْهان{[352]} . واستشهدوا بقول جرير :
ماذا ترى في عيال قد برَمْت بهم *** لـم أُحصِ عدتهم إلا بعَدَّاد
كانوا ثمانين أو زادوا ثمانيــة *** لولا رجاؤك قد قَتَّلْتُ أولادي
والبصريون لا يجيزون ذلك إلا بشرطين أن يتقدمها نفي أو نهي وأن يعاد العامل ، وتأولوا هذه الآية بأن { أو } للتخيير ، والمعنى إذا رآهم الرائي تخير بين أن يقول : هم مائة ألف ، أو يقول : يزيدون .
ويرجحه أن المعطوف ب { أو } غير مفرد بل هو كلام مبيّن ناسب أن يكون الحرف للإِضراب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.