بدأت السورة بالإخبار بأن الله سبح له ونزهه عما لا يليق به كل ما في السماوات والأرض ، وأنه العزيز الذي لا يغلب ، الحكيم في تصرفاته وتشريعه ، ومن آثار عزته وحكمته ما تحدثت عنه السورة من عاقبة بني النضير وهم من يهود المدينة وكانوا قد صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة على ألا يكونوا عليه ولا له ، فلما كانت هزيمة المسلمين في يوم أحد نكثوا عهدهم ، وحالفوا قريشا عليه صلى الله عليه وسلم فحاصرهم في حصونهم التي ظنوا أنها تمنعهم ، فلم تمنعهم ، ثم أجلاهم عن المدينة ، ثم بينت حكم الفيء : وهو ما كان من الغنائم بلا حرب ولا إسراع بركوب الخيل ونحوها ، فذكرت أنه لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، والفقراء والمهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم . ثم تحدثت عن الأنصار وفضلهم ، وإيثارهم المهاجرين على أنفسهم ولو كان بم حاجة إلى ما آثروهم به ، ولفتت النظر إلى ما كان من وعود المنافقين لبني النضير في قولهم لهم : لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولئن قوتلتم لننصرنكم ، وفضحت كذبهم وتغريرهم في ذلك .
ثم خلصت السورة إلى تذكير المؤمنين بما ينبغي أن يكونوا عليه من تقوى الله ، والتزود للمستقبل القريب والبعيد ، ولا يكونوا كالذين أعرضوا عن الله فأنساهم أنفسهم .
1- نزه الله عما لا يليق به كل ما في السماوات وما في الأرض ، وهو الغالب الذي لا يعجزه شيء ، الحكيم في تدبيره وأفعاله .
( 1-7 ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ } .
إلى آخر القصة . هذه السورة تسمى { سورة بني النضير } وهم طائفة كبيرة من اليهود في جانب المدينة ، وقت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ، وهاجر إلى المدينة ، كفروا به في جملة من كفر من اليهود ، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هادن سائر طوائف اليهود الذين هم جيرانه في المدينة ، فلما كان بعد [ وقعة ] بدر بستة أشهر أو نحوها ، خرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيين الذين قتلهم عمرو بن أمية الضمري ، فقالوا : نفعل يا أبا القاسم ، اجلس هاهنا حتى نقضي حاجتك ، فخلا بعضهم ببعض ، وسول لهم الشيطان الشقاء الذي كتب عليهم ، فتآمروا بقتله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : أيكم يأخذ هذه الرحى فيصعد فيلقيها على رأسه يشدخه بها ؟ فقال أشقاهم عمرو بن جحاش : أنا ، فقال لهم سلام بن مشكم : لا تفعلوا ، فوالله ليخبرن بما هممتم به ، وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه ، وجاء الوحي على الفور إليه من ربه ، بما هموا به ، فنهض مسرعا ، فتوجه إلى المدينة ، ولحقه أصحابه ، فقالوا : نهضت ولم نشعر بك ، فأخبرهم بما همت يهود به .
وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها ، وقد أجلتكم عشرا ، فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه " ، فأقاموا أياما يتجهزون ، وأرسل إليهم المنافق عبد الله بن أبي [ بن سلول ] : " أن لا تخرجوا من دياركم ، فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم ، فيموتون دونكم ، وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان " .
وطمع رئيسهم حيي بن أخطب فيما قال له ، وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنا لا نخرج من ديارنا ، فاصنع ما بدا لك .
فكبر رسول الله صلى عليه وسلم وأصحابه ، ونهضوا إليهم ، وعلي بن أبي طالب يحمل اللواء .
فأقاموا على حصونهم يرمون بالنبل والحجارة ، واعتزلتهم قريظة ، وخانهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقطع نخلهم وحرق . فأرسلوا إليه : نحن نخرج من المدينة ، فأنزلهم على أن يخرجوا منها بنفوسهم ، وذراريهم ، وأن لهم ما حملت إبلهم إلا السلاح ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الأموال والسلاح .
وكانت بنو النضير ، خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لنوائبه ومصالح المسلمين ، ولم يخمسها ، لأن الله أفاءها عليه ، ولم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب ، وأجلاهم إلى خيبر وفيهم حيي بن أخطب كبيرهم ، واستولى على أرضهم وديارهم ، وقبض السلاح ، فوجد من السلاح خمسين درعا ، وخمسين بيضة ، وثلاثمائة وأربعين سيفا ، هذا حاصل قصتهم كما ذكرها أهل السير .
فافتتح تعالى هذه السورة بالإخبار أن جميع من في السماوات والأرض تسبح بحمد ربها ، وتنزهه عما لا يليق بجلاله ، وتعبده وتخضع لجلاله{[1025]} لأنه العزيز الذي قد قهر كل شيء ، فلا يمتنع عليه شيء ، ولا يستعصي عليه مستعصي{[1026]} الحكيم في خلقه وأمره ، فلا يخلق شيئا عبثا ، ولا يشرع ما لا مصلحة فيه ، ولا يفعل إلا ما هو مقتضى حكمته .
بسم الله الرحمن الرحيم { سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم }روي أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة صالح بني النضير على أن لا يكونوا له ولا عليه فلما ظهر يوم بدر قالوا إنه النبي المنعوت في التوراة بالنصرة فلما هزم المسلمون يوم أحد ارتابوا ونكثوا وخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى مكة وحالفوا أبا سفيان فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أخا كعب من الرضاعة فقتله غيلة ثم صبحهم بالكتائب وحاصرهم حتى صالحوا على الجلاء فجلا أكثرهم إلى الشام ولحقت طائفة بخيبر والحيرة فأنزل الله تعالى سبح لله إلى قوله والله على كل شيء قدير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.