39- والذين لم يصدقوا بأدلتنا الدالة على قدرتنا وصدق رسالتنا ، لم ينتفعوا بحواسهم في معرفة الحق ، فتخبطوا في ضلال الشرك والعناد ، تخبط الأصم الأبكم في ظلمات الليل ، لا نجاة له من الهلاك . ولو كان في هؤلاء استعداد للخير لوفقهم الله إليه ، فإنه سبحانه إذا أراد إضلال إنسان لفساد قصده ، تركه وشأنه ، وإذا أراد هدايته لسلامة قصده ، يسر له السير في طريق الإيمان الواضح المستقيم .
{ 39 } { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
هذا بيان لحال المكذبين بآيات الله ، المكذبين لرسله ، أنهم قد سدوا على أنفسهم باب الهدى ، وفتحوا باب الردى ، وأنهم { صُمٌّ } عن سماع الحق { وَبُكْمٌ } عن النطق به ، فلا ينطقون إلا بباطل{[287]} .
{ فِي الظُّلُمَاتِ } أي : منغمسون في ظلمات الجهل ، والكفر ، والظلم ، والعناد ، والمعاصي . وهذا من إضلال الله إياهم ، ف { مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } لأنه المنفرد بالهداية والإضلال ، بحسب ما اقتضاه فضله وحكمته .
وقوله { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ } أي : مثلهم في جهلهم وقلة علمهم وعدم فهمهم كمثل أصم - وهو الذي لا يسمع - أبكم - وهو الذي لا يتكلم - وهو مع هذا في ظلام لا يبصر ، فكيف يهتدي مثل هذا إلى الطريق ، أو يُخْرج مما هو فيه ؟ كما قال تعالى{[10680]} { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [ البقرة : 17 ، 18 ] ، } وكما قال [ تعالى ]{[10681]} { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } [ النور : 40 ] ؛ ولهذا قال تعالى : { مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } أي : هو المتصرف في خلقه بما يشاء .
{ والذين كذبوا بآياتنا صم } لا يسمعون مثل هذه الآيات الدالة على ربوبيته وكمال علمه وعظم قدرته سماعا تتأثر به نفوسهم . { وبكم } لا ينطقون بالحق . { في الظلمات } خبر ثالث أي خابطون في ظلمات الكفر ، أو في ظلمة الجهل وظلمة العناد وظلمة التقليد ، ويجوز أن يكون حالا من المستكن في الخبر . { من يشإ الله يضلله } من يشأ الله إضلاله يضلله ، وهو دليل واضح لنا على المعتزلة . { ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم } بأن يرشده إلى الهدى ويحمله عليه .
كأنه قال وما من دابة ولا طائر ولا شيء إلا فيه آية منصوبة على وحدانية الله تعالى ، ولكن الذين كذبوا صم وبكم لا يتلقون ذلك ولا يقبلونه ، وظاهر الآية أنها تعم كل مكذب ، وقال النقاش نزلت في بني عبد الدار{[4910]} .
قال القاضي أبو محمد : ثم انسحبت على سواهم ، ثم بيّن أن ذلك حكم من الله عز وجل بمشيئته في خلقه فقال مبتدئاً الكلام { من يشأ الله يضلله } شرط وجوابه{[4911]} ، وقوله : { في الظلمات } ينوب عن «عمي » ، وفي الظلمات أهول عبارة وأفصح وأوقع في النفس ، والصراط الطريق الواضح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.