تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا صُمّٞ وَبُكۡمٞ فِي ٱلظُّلُمَٰتِۗ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضۡلِلۡهُ وَمَن يَشَأۡ يَجۡعَلۡهُ عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (39)

الآية 39 وقوله تعالى : { والذين كذبوا بآياتنا } قال الحسن { بآياتنا } ديننا ، وقال غيره { بآياتنا } حججنا : حجج وحدانيته وألوهيته وحجج الرسالة والنبوة . ويحتمل آيات البعث ؛ كذبوا بذلك كله . وقد ذكرنا هذا في غير موضع .

وقوله تعالى : { صم وبكم } هو ما ذكرنا أنه نفى عنهم السمع واللسان والبصر لما لم يعرفوا نعمة السمع ونعمة البصر ونعمة اللسان . ولا يجوز أن يجعل لهم السمع والبصر واللسان ، ثم لا يكلمهم ما يسمعون بالسمع وما ينطقون باللسان .

دل أنه يحتاج إلى رسول يسمعون منه ، ويستمعون إليه ، وينطقون ما علمهم . فإذا لم يفعلوا صاروا كما ذكر { صم بكم عمي } [ البقرة : 18 و 171 ] لما لم ينتفعوا به ، ولم يعرفوا نعمة التي جعل لهم في ما ذكر ، ونفى عنهم السمع والبصر واللسان لما ذكرنا أن السمع والبصر والحياة على ضربين : مكتسب ومنشأ ، فنفى عنهم السمع المكتسب والبصر المكتسب والحياة المكتسبة .

وقوله تعالى : { في الظلمات } يحتمل وجهين :

أحدهما : {[7082]} ظلمات الجهل والكفر .

والثاني : هم في ظلمات ؛ يعني ظلمات السمع والبصر والقلب ، وهم في ظلمتين جميعا في ظلمة الجهل والكفر وظلمة السمع والبصر كقوله تعالى { ظلمات بعضها فوق بعض } [ النور : 40 ] والمؤمن في النور كقوله تعالى : { نور على نور } [ النور : 35 ] .

وقوله تعالى : { من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم } يهده . وصف عز وجل نفسه بالقدرة ، وجعلهم جميعا منقلبين في مشيئته ، وأخبر أنه شاء لبعضهم الهدى . فمن قال : إنه شاء للكل الهدى ، لكن لم يهتدوا ، أو شاء للكل الضلال ، فهو/148-أ/ خلاف ما ذكره عز وجل لأنه أخبر أنه شاء الضلال لمن ضل ، وشاء الهدى لمن اهتدى .

وأصله أنه إذا علم من الكافر أنه يختار الكفر ، شاء أن يضل ، وخلق فعل{[7083]} الكفر منه ، وكذلك إذا علم من المؤمن أنه يختار الإيمان والاهتداء ، شاء أن يهدي ، وخلق فعل الاهتداء منه .


[7082]:- في الأصل وم: يحتمل.
[7083]:- من م، في الأصل: كل.