فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا صُمّٞ وَبُكۡمٞ فِي ٱلظُّلُمَٰتِۗ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضۡلِلۡهُ وَمَن يَشَأۡ يَجۡعَلۡهُ عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (39)

قوله : { والذين كَذَّبُواْ بآياتنا صُمٌّ وَبُكْم } أي لا يسمعون بأسماعهم ولا ينطقون بألسنتهم ، نزلهم منزلة من لا يسمع ولا ينطق ، لعدم قبولهم لما ينبغي قبوله من الحجج الواضحة والدلائل الصحيحة . وقال أبو علي : يجوز أن يكون صممهم وبكمهم في الآخرة . قوله : { فِي الظلمات } أي في ظلمات الكفر ، والجهل والحيرة ، لا يهتدون لشيء مما فيه صلاحهم . والمعنى : كائنين في الظلمات التي تمنع من إبصار المبصرات ، وضموا إلى الصمم ، والبكم ، عدم الانتفاع بالأبصار لتراكم الظلمة عليهم ، فكانت حواسهم كالمسلوبة التي لا ينتفع بها بحال ، وقد تقدّم في البقرة تحقيق المقام بما يغني عن الإعادة ، ثم بين سبحانه أن الأمر بيده ما شاء يفعل ، من شاء تعالى أن يضله أضله ، ومن شاء أن يهديه جعله على صراط مستقيم ، لا يذهب به إلى غير الحق ، ولا يمشي فيه إلا إلى صوب الاستقامة .