{ 78-81 } { أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا * وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا * وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا }
يأمر تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بإقامة الصلاة تامة ، ظاهرًا وباطنًا ، في أوقاتها . { لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } أي : ميلانها إلى الأفق الغربي بعد الزوال ، فيدخل في ذلك صلاة الظهر وصلاة العصر .
{ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ } أي : ظلمته ، فدخل في ذلك صلاة المغرب وصلاة العشاء . { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } أي : صلاة الفجر ، وسميت قرآنا ، لمشروعية إطالة القرآن فيها أطول من غيرها ، ولفضل القراءة فيها حيث شهدها الله ، وملائكة الليل وملائكة والنهار .
ففي هذه الآية ، ذكر الأوقات الخمسة ، للصلوات المكتوبات ، وأن الصلوات الموقعة فيه فرائض لتخصيصها بالأمر .
وفيها : أن الوقت شرط لصحة الصلاة ، وأنه سبب لوجوبها ، لأن الله أمر بإقامتها لهذه الأوقات .
وأن الظهر والعصر يجمعان ، والمغرب والعشاء كذلك ، للعذر ، لأن الله جمع وقتهما جميعًا .
وفيه : فضيلة صلاة الفجر ، وفضيلة إطالة القراءة فيها ، وأن القراءة فيها ، ركن لأن العبادة إذا سميت ببعض أجزائها ، دل على فرضية ذلك .
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم آمرًا له بإقامة الصلوات المكتوبات في أوقاتها : { أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } قيل{[17705]} لغروبها . قاله ابن مسعود ، ومجاهد ، وابن زيد .
وقال هُشَيْم ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، عن ابن عباس : " دلوكها " : زوالها . ورواه نافع ، عن ابن عمر . ورواه مالك في تفسيره ، عن الزهري ، عن ابن عمر . وقاله أبو بَرْزَة الأسلمي وهو رواية أيضًا عن ابن مسعود . ومجاهد . وبه قال الحسن ، والضحاك ، وأبو جعفر الباقر ، وقتادة . واختاره ابن جرير ، ومما استشهد عليه ما رواه عن ابن حميد ، عن الحكم بن بشير ، حدثنا عمرو بن قيس ، عن ابن أبي ليلى ، [ عن رجل ]{[17706]} ، عن جابر بن عبد الله قال : دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شاء من أصحابه فطعموا عندي ، ثم خرجوا حين زالت الشمس ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " اخرج يا أبا بكر ، فهذا حين دلكت الشمس " {[17707]} .
ثم رواه عن سهل بن بكار ، عن أبي عَوَانة ، عن الأسود بن قيس ، عن نبيح العنزي ، عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نحوه . فعلى هذا تكون هذه الآية دخل فيها أوقات الصلاة الخمسة فمن قوله : { لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ } وهو : ظلامه ، وقيل : غروب الشمس ، أخذ منه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، وقوله [ تعالى ]{[17708]} : { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } يعني : صلاة الفجر .
وقد ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تواترًا من أفعاله وأقواله{[17709]} بتفاصيل هذه الأوقات ، على ما عليه عمل أهل الإسلام{[17710]} اليوم ، مما تلقوه خلفًا عن سلف ، وقرنًا بعد قرن ، كما هو مقرر في مواضعه ، ولله الحمد .
{ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } قال الأعمش ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود - وعن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه{[17711]} ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية : { إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } قال : " تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار " {[17712]} .
وقال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة - وسعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة ، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر " . ويقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم : { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا }{[17713]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أسباط ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم - وحدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } قال : " تشهده ملائكة الليل ، وملائكة النهار " .
ورواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، ثلاثتهم عن عُبَيْد بن أسباط بن محمد ، عن أبيه ، به{[17714]} وقال الترمذي : حسن صحيح .
وفي لفظ في الصحيحين ، من طريق مالك ، عن أبي الزِّناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يتعاقبون فيكم ملائكة الليل وملائكة النهار{[17715]} ، ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر ، فَيَعْرُجُ الذين باتوا فيكم فيسألهم - وهو أعلم بكم - كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : أتيناهم وهم يصلون ، وتركناهم وهم يصلون " {[17716]} وقال عبد الله بن مسعود : يجتمع الحرسان{[17717]} في صلاة الفجر ، فيصعد هؤلاء ويقيم هؤلاء .
وكذا قال إبراهيم النَّخَعي ، ومجاهد ، وقتادة ، وغير واحد في تفسير هذه الآية .
وأما الحديث الذي رواه ابن جرير هاهنا - من حديث الليث بن سعد ، عن زيادة ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن فضالة بن عُبيد ، عن أبي الدرداء ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر حديث النزول وأنه تعالى يقول : " من يستغفرني أغفر له ، من يسألني أعطه{[17718]} ، من يدعني فأستجيب له حتى يطلع الفجر " . فلذلك يقول : { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } فيشهده الله ، وملائكة الليل ، وملائكة النهار{[17719]} - فإنه تفرد به زيادة ، وله بهذا حديث في سنن أبي داود{[17720]} .
القول في تأويل قوله تعالى { أَقِمِ الصّلاَةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إِلَىَ غَسَقِ الْلّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أقِمِ الصّلاةَ يا محمد لِدُلُوكِ الشّمْسِ .
واختلف أهل التأويل في الوقت الذي عناه الله بدلوك الشمس ، فقال بعضهم : هو وقت غروبها ، والصلاة التي أمر بإقامتها حينئذٍ : صلاة المغرب . ذكر من قال ذلك :
حدثني واصل بن عبد الأعلى الأسدي ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن أبي إسحاق ، يعني الشيباني ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه ، أنه كان مع عبد الله بن مسعود ، على سطح حين غربت الشمس ، فقرأ : أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إلى غَسَق اللّيل ، حتى فرغ من الاَية ، ثم قال : والذي نفسي بيده إن هذا لَحِينَ دَلَكَتِ الشمس وأفطر الصائم ووقت الصلاة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن عقبة بن عبد الغافر ، أن أبا عُبيدة بن عبد الله كتب إليه أن عبد الله بن مسعود كان إذا غربت الشمس صلّى المغرب ، ويفطر عندها إن كان صائما ، ويقسم عليها يمينا ما يقسمه على شيء من الصلوات بالله الذي لا إله إلاّ هو ، إن هذه الساعة لميقات هذه الصلاة ، ويقرأ فيها تفسيرها من كتاب الله أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكَ الشّمْسِ إلى غَسَقِ اللّيْلِ .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : هذا دلوك الشمس ، وهذا غسق الليل ، وأشار إلى المشرق والمغرب .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : قال ابن عباس : دلوك الشمس : غروبها ، يقول : دلكت براح .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن الأسود ، عن عبد الله ، أنه قال : حين غربت الشمس دلكت ، يعني براح مكانا .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : دلوكها : غروبها .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : قد ذكر لنا أن ابن مسعود كان يصليها إذا وجبت وعندها يفطر إذا كان صائما ، ثم يقسم عليها قسما لا يقسمه على شيء من الصلوات بالله الذي لا إله إلاّ هو ، إن هذه الساعة لميقات هذه الصلاة ، ثم يقرأ ويصليها وتصديقها من كتاب الله : أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إلى غَسَقِ اللّيْلِ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إلى غَسَقِ اللّيْلِ قال : كان أبي يقول : دلوكها : حين تريد الشمس تغرب إلى أن يغسق الليل ، قال : هي المغرب حين يغسق الليل ، وتَدلُك الشمس للغروب .
حدثني سعيد بن الربيع ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، سمع عمرو بن دينار أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود يقول : كان عبد الله بن مسعود يصلي المغرب حين يغرب حاجب الشمس ، ويحلف أنه الوقت الذي قال الله أقِمِ الصّلاةَ لدُلُوكِ الشّمْسِ إلى غَسَقِ اللّيْلِ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : قال عبد الله حين غربت الشمس : هذا والله الذي لا إله غيره وقت هذه الصلاة . وقال : دلوكها : غروبها .
وقال آخرون : دلوك الشمس : ميلها للزوال ، والصلاة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقامتها عند دلوكها : الظهر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله ، قال : دلوكها : ميلها ، يعني الشمس .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن الشعبيّ ، عن ابن عباس ، قال ، في قوله أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْس قال : دلوكها : زوالها .
حدثني موسى بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، في قوله أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ قال : دلوكها : ميلها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن سيار بن سلامة ، عن أبي برزة الأسلميّ ، قوله أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ قال : إذا زالت .
حدثنا ابن حميد مرة أخرى ، قال : حدثنا أبو تميلة ، قال : حدثنا الحسين بن واقد ، قال : حدثنا سيار بن سلامة الرياحي ، قال : أتيت أبا برزة فسأله والدي عن مواقيت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس ، ثم تلا : أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ .
حدثني الحسين بن عليّ الصدائي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا مبارك ، عن الحسن ، قال : قال الله عزّ وجلّ لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إلى غَسَقِ اللّيْلِ قال : الظهر دلوكها ، إذا زالت عن بطن السماء ، وكان لها في الأرض فَيْء .
حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا يونس ، عن الحسن ، في قوله أقِمِ الصّلاةَ لدُلُوكِ الشّمْسِ قال : دلوكها : زوالها .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثل ذلك .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن أبي جعفر في أقِمِ الصّلاةَ لِدِلُوكِ الشّمْسِ قال : لزوال الشمس .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن ابن عباس ، قال دلوك الشمس : زيغها بعد نصف النهار ، يعني الظلّ .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : دلوك الشمس ، قال : حين تزيغ عن بطن السماء .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله أقِمِ الصّلاةَ لِدِلُوكِ الشّمْسِ أي إذا زالت الشمس عن بطن السماء لصلاة الظهر .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد لِدُلُوكِ الشّمْسِ قال : حين تزيغ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : دلوك الشمس : حين تزيغ .
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بقوله أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ : صلاة الظهر ، وذلك أن الدلوك في كلام العرب : الميل ، يقال منه : دلك فلان إلى كذا : إذا مال إليه . ومنه الخبر الذي روي عن الحسن أن رجلاً قال له : أيُدالك الرجل امرأته ؟ يعني بذلك : أيميل بها إلى المماطلة بحقها . ومنه قول الراجز :
هَذَا مَقامُ قَدَميْ رَباحِ *** غُدْوَةَ حتى دَلَكَتْ بِرَاحِ
ويروى : براح بفتح الباء ، فمن روى ذلك : بِراح ، بكسر الباء ، فإنه يعني : أنه يضع الناظر كفه على حاجبه من شعاعها ، لينظر ما لقي من غيارها . وهذا تفسير أهل الغريب أبي عبيدة والأصمعي وأبي عمرو الشيبانيّ وغيرهم . وقد ذكرت في الخبر الذي رويت عن عبد الله بن مسعود ، أنه قال حين غربت الشمس : دلكت براح ، يعني : براح مكانا ، ولست أدري هذا التفسير ، أعني قوله : براح مكانا مِنْ كلام من هو ممن في الإسناد ، أو من كلام عبد الله ، فإن يكن من كلام عبد الله ، فلا شكّ أنه كان أعلم بذلك من أهل الغريب الذين ذكرت قولهم ، وأن الصواب في ذلك قوله ، دون قولهم ، وإن لم يكن من كلام عبد الله ، فإن أهل العربية كانوا أعلم بذلك منه ، ولما قال أهل الغريب في ذلك شاهد من قول العجاج ، وهو قوله :
والشّمْسُ قد كادَتْ تَكُونُ دَنَفا *** أدْفَعُها بالرّاحِ كَيْ تَزَحْلَفا
فأخبر أنه يدفع شعاعها لينظر إلى مغيبها براحه . ومن روى ذلك بفتح الباء ، فإنه جعله اسما للشمس وكسر الحاء لإخراجه إياه على تقدير قَطامِ وحَذامِ ورَقاشِ ، فإذا كان معنى الدلوك في كلام العرب هو الميل ، فلا شكَ أن الشمس إذا زالت عن كبد السماء ، فقد مالت للغروب ، وذلك وقت صلاة الظهر ، وبذلك ورد الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان في إسناد بعضه بعض النظر .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا خالد بن مخلد ، قال : ثني محمد بن جعفر ، قال : ثني يحيى بن سعيد ، قال : ثني أبو بكر بن عمرو بن حزم الأنصاري ، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أتانِي جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السّلامُ لِدُولُوكِ الشّمْسِ حِينَ زَالَتْ فَصَلّى بِيَ الظّهْرَ » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أبو تميلة ، قال : حدثنا الحسين بن واقد ، قال : ثني سيار بن سلامة الرياحي ، قال : قال أبو بَرزة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس ، ثم تلا أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمرو بن قيس ، عن ابن أبي ليلى ، عن رجل ، عن جابر بن عبد الله ، قال : دعوت نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ومن شاء من أصحابه ، فطعموا عندي ، ثم خرجوا حين زالت الشمس ، فخرج النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : «اخْرُجْ يا أبا بَكْرٍ قَدْ دَلَكَتِ الشّمْسُ » .
حدثني محمد بن عثمان الرازي ، قال : حدثنا سهل بن بكار ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن الأسود بن قيس ، عن نُبَيح العَنَزِيّ ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، نحو حديث ابن حميد .
فإذا كان صحيحا ما قلنا بالذي به استشهدنا ، فبين إذن أن معنى قوله جلّ ثناؤه : أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إلى غَسَقِ اللّيْلِ أن صلاة الظهر والعصر بحدودهما مما أوجب الله عليك فيهما لأنهما الصلاتان اللتان فرضهما الله على نبيه من وقت دلوك الشمس إلى غسق الليل وغسق الليل : هو إقباله ودنوّه بظلامه ، كما قال الشاعر :
*** آبَ هَذَا اللّيْلُ إذْ غَسَقَا ***
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل على اختلاف منهم في الصلاة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقامتها عنده ، فقال بعضهم : الصلاة التي أمر بإقامتها عنده صلاة المغرب . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله أقِمِ الصّلاةَ لِدِلُوكِ الشّمْسِ إلى غَسَقِ اللّيْلِ قال : غسق الليل : بدوّ الليل .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، قال : سمعت عكرمة سئل عن هذه الاَية : أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إلى غَسَقِ اللّيْلِ قال : بدوّ الليل .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : غسق الليل : غروب الشمس .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة غَسَقِ اللّيْلِ : صلاة المغرب .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة إلى غَسَقِ اللّيْلِ بدوّ الليل لصلاة المغرب .
وقد ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «لا تَزَالُ طائِفَةٌ مِنْ أُمّتِي عَلى الفِطْرَةِ ما صَلّوْا صَلاةَ المَغْرِبِ قَبْلَ أنْ تَبْدُوَ النّجومُ » .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله إلى غَسَقٍ اللّيْلِ يعني ظلام الليل .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : كان أبي يقول : غَسَقِ اللّيْلِ : ظلمة الليل .
وقال آخرون : هي صلاة العصر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن أبي جعفر إلى غَسَقِ اللّيْلِ قال : صلاة العصر .
وأولى القولين في ذلك بالصواب ، قول من قال : الصلاة التي أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بإقامتها عند غسق الليل ، هي صلاة المغرب دون غيرها ، لأن غسق الليل هو ما وصفنا من إقبال الليل وظلامه ، وذلك لا يكون إلا بعد مغيب الشمس . فأما صلاة العصر ، فإنها مما تقام بين ابتداء دلوك الشمس إلى غسق الليل ، لا عند غسق الليل . وأما قوله : وقُرآنَ الفَجْرِ فإن معناه وأقم قرآن الفجر : أي ما تقرأ به صلاة الفجر من القرآن ، والقرآن معطوف على الصلاة في قوله : أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ .
وكان بعض نحويي البصرة يقول : نصب قوله وَقُرآنَ الفَجْرِ على الإغراء ، كأنه قال : وعليك قرآن الفجر إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا يقول : إن ما تقرأ به في صلاة الفجر من القرآن كان مشهودا ، يشهده فيما ذكر ملائكة الليل وملائكة النهار . وبالذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل : وجاءت الاَثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :
حدثني عبيد بن أسباط بن محمد القرشي ، قال : ثني أبي ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذه الاَية وقُرآنَ الفَجْرِ إن قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا قال : «تَشْهَدُهُ مَلائِكَةُ اللّيْلِ وَمَلائِكَةُ النّهارِ » .
حدثنا محمد بن سهل ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا ليث بن سعد وحدثنا محمد بن سهل بن عسكر ، قال حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن زيادة بن محمد ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن فضالة بن عبيد ، عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ اللّهَ يَفْتَحُ الذّكْرَ فِي ثَلاثِ ساعاتٍ يَبْقَينَ مِنَ اللّيْلِ : فِي السّاعَةِ الأُولى مِنْهُنّ يَنْظُرُ فِي الكِتابِ الّذِي لا يَنْظُرُ فِيهِ أحدٌ غيرُه فَيَمْحُوا ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ، ثُمّ يَنْزِلُ فِي السّاعَةِ الثّانِيَةِ إلى جَنّةِ عَدْنٍ ، وَهِيَ دَارُهُ الّتِي لَمْ تَرَها عَيْنٌ ، وَلا تَخْطُرُ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ ، وَهِيَ مَسْكَنُهُ ، وَلا يَسْكُنُ مَعَهُ مِنْ بَنِي آدَمَ غيرُ ثَلاثَةٍ : النّبِيّينَ والصّدّيقِينَ والشّهَدَاءِ ، ثُمّ يَقولُ : طُوبَى لِمَنْ دَخَلَكِ ، ثُمّ يَنْزِلُ فِي السّاعَةِ الثّالِثَةِ إلى السمّاءِ الدّنيْا بِرُوحِهِ وَمَلائِكَتِهِ فَتَنْتَفِضُ ، فَيَقُولُ : قُومي بَعوْنِي ، ثُمّ يَطّلعُ إلى عِبادِهِ ، فَيَقُولُ : مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي أغْفِرْ لَهُ ، مَنْ يَسْألْنِي أُعْطِهِ ، مَنْ يَدْعُونِي فَأسْتَجِيبَ لَهُ حتى يَطْلُعَ الفَجْرُ ، فذلك حين يقول وَقُرآنَ الفَجْرِ إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا » قال موسى في حديثه : شهده الله وملائكة الليل وملائكة النهار . وقال ابن عسكر في حديثه : فيشهده الله وملائكة الليل وملائكة النهار .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن عقبة بن عبد الغافر ، قال : قال أبو عبيدة بن عبد الله : كان عبد الله يحدّث أن صلاة الفجر عندها يجتمع الحرسان من ملائكة الله ، ويقرأ هذه الاَية : وَقُرآنَ الفَجْرِ إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وقُرآنَ الفَجْرِ إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا وقرآن الفجر : صلاة الصبح ، كنا نحدّث أن عندها يجتمع الحَرَسان من ملائكة الله حَرَس : الليل وحَرَس النهار .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَقُرآنَ الفَجْرِ صلاة الفجر . وأما قوله : كانَ مَشْهُودا فإنه يقول : ملائكة الليل وملائكة النهار يشهدون تلك الصلاة .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله أنه قال في هذه الاَية : وَقُرآنَ الفَجْرِ إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا قال : تنزل ملائكة النهار وتصعد ملائكة الليل .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن ضرار بن عبد الله بن أبي الهُذيل ، عن أبي عبيدة ، في قوله : وَقُرآنَ الفَجْرِ إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا قال : يشهده حرس الليل وحرس النهار من الملائكة في صلاة الفجر .
حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، في قوله : وَقُرآنَ الفَجْرِ إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا قال : كانوا يقولون تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر فتشهد فيها جميعا ، ثم يصعد هؤلاء ويقيم هؤلاء .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وَقُرآنَ الفَجْرِ إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا يعني صلاة الصبح .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَقرآنَ الفَجْرِ قال : صلاة الصبح .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وَقُرآنَ الفَجْرِ صلاة الصبح إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا قال : تجتمع في صلاة الفجر ملائكة الليل وملائكة النهار .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله وَقُرآنَ الفَجْرِ يعني صلاة الغداة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : وَقُرآنَ الفَجْرِ قال : صلاة الفجر إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا قال : مشهودا من الملائكة فيما يذكرون . قال : وكان عليّ بن أبي طالب ، وأُبيّ بن كعب يقولان : الصلاة الوسطى التي حضّ الله عليها : صلاة الصبح . قال : وذلك أن صلاة الظهر وصلاة العصر : صلاتا النهار ، والمغرب والعشاء : صلاتا الليل ، وهي بينها ، وهي صلاة نوم ، ما نعمل صلاة يُغفل عنها مثلها .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن الجريري ، عن أبي الورد بن ثمامة ، عن أبي محمد الحضرمي ، قال : حدثنا كعب في هذا المسجد ، قال : والذي نفس كعب بيده ، إن هذه الاَية وَقُرآنَ الفَجْر إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا إنها لصلاة الفجر إنها لمشهودة .
حدثني الحسن بن عليّ بن عباس ، قال : حدثنا بشر بن شعيب ، قال : أخبرني أبي ، عن الزهري ، قال : ثني سعيد بن المسيب ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «تَجْتَمِعُ مَلائِكَةُ اللّيْلِ وَمَلائِكَةُ النّهارِ فِي صَلاةِ الفَجْرِ » ، ثم يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم وَقُرآنَ الفَجْرِ إنّ قُرآن الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله وَقُرآنَ الفَجْرِ إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا قال : صلاة الفجر تجتمع فيها ملائكة الليل وملائكة النهار .
وقوله { أقم الصلاة } الآية ، هذه بإجماع من المفسرين إشارة إلى الصلوات المفروضة ، فقال ابن عمرو وابن عباس وأبو بردة والحسن والجمهور : «دلوك الشمس » زوالها ، والإشارة إلى الظهر والعصر ، و { غسق الليل } أشير به إلى المغرب والعشاء ، { وقرآن الفجر } أريد به صلاة الصبح ، فالآية على هذا تعم جميع الصلوات وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «أتاني جبريل { لدلوك الشمس } حين زالت فصلى بي الظهر »{[7658]} ، وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عنده وقد طعم وزالت الشمس ، فقال اخرج يا أبا بكر فهذا حين دلكت الشمس{[7659]} ، وقال ابن مسعود وابن عباس وزيد بن أسلم : «دلوك الشمس » غروبها ، والإشارة بذلك إلى المغرب ، و { غسق الليل } اجتماع ظلمته ، فالإشارة إلى العتمة ، { وقرآن الفجر } صلاة الصبح ، ولم تقع إشارة على هذا إلى الظهر والعصر ، والقول الأول أصوب لعمومه الصلوات ، وهما من جهة اللغة حسنان ، وذلك أن الدلوك هو الميل في اللغة فأول الدلوك هو الزوال ، وآخره هو الغروب ، ومن وقت الزوال إلى الغروب يسمى دلوكاً ، لأنها في حالة ميل ، فذكر الله { الصلوات } التي في حالة «الدلوك » وعنده ، فيدخل في ذلك الظهر والعصر والمغرب ويصح أن تكون المغرب داخلة في { غسق الليل } ، ومن الدلوك الذي هو الميل قول الأعرابي للحسن بن أبي الحسن َأُيَداِلُك الرجل امرأته ؟ يريد أيميل بها إلى المطل في دينها ؟ فقال له الحسن : نعم إذا كان ملحفاً ، أي عديماً{[7660]} ، ومنه قول ذي الرمة : [ الطويل ]
مصابيح ليست باللواتي تقودها . . . نجوم ولا بالآفلات الدوالك{[7661]}
ومن ذلك قول الشاعر : [ الرجز ]
هذا مكان قدمي رباح . . . غدوة حتى دلكت براح{[7662]}
يروى براح بكسر الباء ، قال أبو عبيدة الأصمعي وأبو عمرو الشيباني ومعناه براحة الناظر يستكف بها أبداً لينظر كيف ميلها وما بقي لها ، وهذا نحو قول الحجاج : [ الرجز ]
والشمس قد كادت تكون دنفاً . . . دفعها بالراح كي تزحلقا{[7663]}
وذكر الطبري عن ابن مسعود أنه قال : دلكت براح يعني براح مكاناً . قال : فإن كان هذا من تفسير ابن مسعود فهو أعلم ، وإن كان من كلام راوٍ فأهل الغريب أعلم بذلك{[7664]} ، ويروى أن البيت الأول : «غدوة حتى هلكت بَراح » ، بفتح الباء على وزن قطام وحذام ، وهو اسم من أسماء الشمس ، وغسق الليل اجتماعه وتكاثف ظلمته ، وقال الشاعر : [ المديد ]
آب هذا الليل إذ غسقا{[7665]} . . . وقال ابن عباس : { غسق الليل } بدؤه ، ونصب قوله { وقرآن } بفعل مضمر تقديره واقرأ قرآن ، ويصح أن ينصب عطفاً على الصلاة ، أي «وأقم قرآن الفجر » ، وعبر عن صلاة الصبح خاصة ب «القرآن » لأن القرآن هو عظمها{[7666]} ، إذ قراءتها طويلة مجهور بها ، ويصح أن ينصب قوله { وقرآن } على الإغراء وقوله { إن قرآن الفجر كان مشهوداً } معناه ليشهده حفظة النهار وحفظة الليل من الملائكة حسبما ورد في الحديث المشهور من قوله عليه السلام : «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر » ، الحديث بطوله من رواية أبي هريرة وغيره{[7667]} ، وعلى القول بذلك مضى الجمهور ، وذكر الطبري حديثاً عن ابن عسكر من طريق أبي الدرداء ، في قوله { كان مشهوداً } قال محمد بن سهل بن عسكر يشهده الله وملائكته ، وذكر في ذلك الحديث أن الله تعالى ينزل في آخر الليل ، ونحو هذا مما ليس بالقوي .