وحمل كلام الله على ما هو أكثر فائدة أولى واللام بمعنى الوقت أو للتعليل أي أدم الصلاة في هذا الوقت أو لأجل دخول هذا الوقت { إلى غسق الليل } أي ظلمته . قال الكسائي : غسق الليل غسوقاً أي أظلم ، والاسم الغسق بفتح السين والتركيب يدور على السيلان ومنه يقال : غسقت العين إذا هملت وكأن الظلام انهمل على الدنيا وتراكم . وهذا عند سيبويه الشفق الأبيض ، فاستدل به بعض الشافعية على أن أول وقت العشاء الآخرة يدخل بغروب الشفق الأحمر لأن المحدود إلى غاية يكون مشروعاً قبل حصول تلك الغاية . وهذا الاستدلال مبني على أن الغاية لا تدخل في ذي الغاية ، وعلى أن الآية يجب أن تشمل جميع الصلوات ، وللخصم المنع في المقامين . ثم إن المفسرين أجمعوا على أن المراد بقرآن الفجر هو صلاة الصبح تسمية للشيء ببعض أجزائه ، ومثله تسمية الصلاة ركوعاً وسجوداً وقنوتاً . قال جار الله : إنه حجة علي ابن علية والأصم في زعمهما أن القراءة ليست بركن .
قلت : أجزاء الصلاة أعم من أركانها ولهذا قسمت الفقهاء الصلاة إلى أركان وأبعاض وهيئات فلا يتم هذا الاعتراض .
وفي الآية مسائل : الأولى : استدل بعض الشيعة بها على جواز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء مطلقاً . وأجيب بأن الآية مخصوصة بفعل الرسول أو بقوله : " صلوا كما رأيتموني أصلي " ويستثنى منه عذر السفر والمطر لعدم الدليل المخصص في تلك الصورة فلزم إبقاؤها على الجواز الأصلي .
الثاني : استدل بعض الشافعية بها على أن التغليس في صلاة الصبح أفضل من التنوير لوجوه منها : أنه أضاف القرآن إلى الفجر والتقدير : أقم قرآن الفجر . وظاهر الآية للوجوب فلا أقل من الندب حتى لا تكثر مخالفة الدليل . والفجر انفجار ظلمة الليل فيلزم أن تكون إقامة الفجر في أول الوقت أفضل . ومنها أنه خص الفجر بإضافة القراءة إليه فدل ذلك على أن طول القراءة في هذه الصلاة مطلوب ، ولن يتم هذا المطلوب إلا إذا شرع في أدائه في أول الوقت ، ومنها أنه وصف قرآن الفجر بكونه مشهوداً فقيل : أي يشهده الكثير من المصلين في العادة ، أو من حقه أن يكون مشهوداً بالجماعة الكثيرة . وقال أكثر المفسرين : معناه أن ملائكة الليل وملائكة النهار يجتمعون في صلاة الصبح تنزل هؤلاء وتصعد هؤلاء في آخر ديوان الليل وأول ديوان النهار . وقيل : إنهم يجتمعون خلف الإمام تنزل ملائكة النهار عليهم وهم في صلاة الصبح قبل أن تعرج ملائكة الليل . فإذا فرغ الإمام من صلاته عرجت ملائكة الليل ومكثت ملائكة النهار . ثم إن ملائكة الليل إذا صعدت قالت : يا رب إنا تركنا عبادك لك ، وتقول ملائكة النهار : ربنا لقينا عبادك وهم يصلون . فيقول الله لملائكته : اشهدوا فإني قد غفرت لهم . والغرض أن المكلف إذا شرع في صلاة الصبح في آخر الظلمة الذي هو أول الفجر كانت ملائكة الليل حاضرين بعد . ثم إذا امتدت هذه الصلاة بسبب ترتيل القراءة وتكثيرها زالت الظلمة بالكل أو بالأكثر وحضرت ملائكة النهار ، وهذا المعنى لا يحصل إذا ابتدىء بها وقت التنوير . قال أهل التحقيق : إذا شرع في صلاة الصبح في أول وقتها شاهد في أثنائها انقلاب العالم من الظلمة - التي هي نظيره الموت - إلى الضياء الذي هو نظير الحياة ، فإنه يفيء عقله من هذه الحالة إلى عجيب صنع الخلاق المدبر للأنفس والآفاق ، فيزداد بصيرة وإيقاناً ومعرفة وإيماناً ، وتنفتح عليه أبواب المكاشفة والمشاهدة . وإذا كان هذا المعنى في الجماعة الكثيرة صارت نفوسهم كالمرايا المشرقة المتقابلة المتعاكسة أضواؤها الواقعة على كل منها ، فيزداد كل منهم نورية وبهاء . فيحتمل أن يكون قوله : { مشهوداً } إشارة إلى هذه الأحوال المشاهدة . ولا ريب أنه إذا شرع في الصلاة أول انتباهه من النوم قبل أن يرد على لوح عقله وفكره النقوش الفاسدة من الأمور الدنيوية الدنية ، كان أولى فإن الأنبياء ما بعثوا إلا لإزالة مثل هذه الأمراض عن النفوس .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.