الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِۖ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡهُودٗا} (78)

{ أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } قال إبراهيم النخعي ومقاتل بن حيان والسدي ويمان وابن زيد : دلوكها غروبها .

قال الشاعر :

هذا مقام قدمي رياح *** غدوة حتّى هلكت براح

أي غربت الشمس ، وبراح إسم للشمس مثل قطام وجذام ورفاش .

ويروى ، براح بكسر الباء يعني إن الناظر يضع كفه على حاجبه من شعاعها لينظر ما بقى من غبارها ، ويقال ذلك للشمس إذا غاب .

قال ذو الرمة :

مصابيح ليست باللواتي يقودها *** نجوم لا بالأفلات الدوالك

ودليل هذا التأويل حديث عبد الله بن مسعود إنه كان إذا غرب الشمس صلى المغرب وأفطر إن كان صائماً ويحلف بالله الذي لا إله إلاّ هو أن هذه الساعة لميقات هذه الصلاة وهي التي قال الله { أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } .

وقال ابن عمرة وابن عبّاس وجابر بن عبد الله وأبو العالية وعطاء وقتادة ومجاهد والحسن ومقاتل وجعفر بن محمّد وعبيد بن حجر : دلوكها زوالها ، وبه قال الشافعي( رضي الله عنه ) ، يدل عليه حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتاني جبرئيل لدلوك الشمس حين زالت الشمس فصلى بي الظهر " .

وقال أبو برزة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس ثمّ تلا هذه الآية { أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } .

" قال جابر بن عبد الله : دعوت النبي صلى الله عليه وسلم ومن شاء من أصحابه فطعموا عندي ثمّ خرجوا حين زالت الشمس فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقال : " أخرج يا أبا بكر فهذا حين دلكت الشمس " " .

وعلى هذا التأويل يكون الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلها ، فدلوك الشمس صلاة الظهر والعصر ، وغسق الليل صلاتا العشاء ، وتصديق هذا التفسير إن جبرئيل ( عليه السلام ) حين علم رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية الصلاة إنما بدأ بصلاة الظهر .

وروى محمّد بن عمار عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " جاءني جبرئيل صلى الله عليه وسلم فصلى صلاة الظهر حين زاغت الشمس ثمّ جاءني فصلى العصر حين كان ظل كل شيء مثله ، ثمّ صلى بي المغرب حين غربت الشمس ثمّ صلى بي العشاء حين غاب الشفق ثمّ جاءني فصلى بي الصبح حين طلع الفجر ، ثمّ جاءني في الغد فصلى بي الظهر حين كان ظل كلّ شيء مثله ثمّ صلى بي العصر حين كان ظل كلّ شيء مثليه ثمّ صلى بي المغرب حين غربت الشمس ثمّ صلى بي العشاء حين ذهب ثلث الليل ثمّ صلى بي الصبح حين أسفر ثمّ قال : هذه صلاة النبيين من قبلك فالزمهم " .

عطاء بن أبي رياح عن جابر قال : أن جبرئيل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه مواقيت الصلاة فتقدم جبرئيل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر حين زالت الشمس وآتاه حين كان الظل مثل شخصه فصنع كما صنع فتقدم جبرئيل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى العصر .

ثمّ أتاه حين وجبت فصلى المغرب وقد تقدم جبرئيل ورسول الله خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى المغرب ثمّ أتاه حين غاب الشفق فتقدم جبرئيل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى العشاء ثمّ أتاه جبرئيل حين انشق الفجر فتقدم جبرئيل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الغداة ثمّ أتاه اليوم الثاني حين كان ظل الرجل مثل شخصه فصنع مثل ما صنع بالأمس صلى الظهر . ثمّ أتاه حين كان ظل الرجل منّا مثل شخصيه فصنع كما صنع بالأمس فصلى العصر . ثمّ أتاه حين وجبت الشمس فصنع كما صنع بالأمس فصلى المغرب متمنياً ثمّ تمنا ثمّ قمنا فأتاه فصنع كما صنع بالأمس صلى العشاء . ثمّ ابتدأ الفجر وأصبح والنجوم بادية مشتبكة فصنع كما صنع بالأمس فصلى الغداة ثمّ قال : ما بين هاتين الصلاتين وقت .

وعن نافع بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن عبّاس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتاني جبرئيل عند باب الكعبة مرتين فصلى الظهر حين كان الفيء مثل الشراك ثمّ صلى العصر حين كان كل شيء بقدر ظله ثمّ صلى المغرب حين أفطر الصائم ثمّ صلى العشاء حين غاب الشفق ثمّ صلى الصبح حين حرم الطعام والشراب على الصائم ثمّ صلى الظهر في المرة الأخيرة حين كان كل شيء بقدر ظله لوقت العصر بالأمس ، ثمّ صلى العصر حين كان ظل شيء مثليه ثمّ صلى المغرب للوقت الأول لم يؤخرها ثمّ صلى العشاء الأخيرة حين ذهب ثلث الليل ثمّ صلى الصبح حين أسفره ثمّ التفت فقال : يا محمّد هذا وقت الأنبياء من قبلك ، الوقت فيما بين هذين الوقتين " .

{ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ } إقباله بظلامه .

قال ابن عبّاس : بدو الليل . قتادة : صلاة المغرب .

مجاهد : غروب الشمس . أبو عبيدة : سواده .

ابن قيس الرقيات :

إن هذا الليل قد غسقا *** فأشتكيت الهم والأرقا

وقيل : غسق يغسق غسوقاً .

{ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } أيّ صلاة الفجر فسمى الصلاة قرآنا لأنها لا تجوز إلاّ بقرآن ، وقيل : يعني قرآن الفجر ما يقرأ به في صلاة الفجر .

وإنتصاب القرآن من وجهين : أحدهما : أنه عطف على الصلاة أي أقم قرآن الفجر ، قاله الفراء ، وقال أهل البصرة : على [ الاغراء ] أي وعليك بقرآن الفجر .

وقال بعضهم : إجتماعه وبيانه وحينئذ يكون مجاز أقم الصلاة لدلوك الشمس بقرآن الفجر .

{ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } يشهد ملائكة الليل وملائكة النهار ينزل هؤلاء ويصعد هؤلاء فهو في آخر ديوان الليل وأول ديوان النهار ، وفي هذه الآية دليل واضح على تعلق وجوب الصلاة بأول الوقت فإستحباب التغليس بصلاة الفجر .

الزهوي عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة ويجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح " .

قال : يقول أبو هريرة : إقرأوا إن شئتم ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) .