{ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ } عما مضى منكم { ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } فيما تستقبلونه ، بالتوبة النصوح ، والإنابة إلى الله تعالى .
فإنكم إذا فعلتم ذلك { يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا } بكثرة الأمطار التي تخصب بها الأرض ، ويكثر خيرها .
{ وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ } فإنهم كانوا من أقوى الناس ، ولهذا قالوا : { من أشد منا قوة } ؟ ، فوعدهم أنهم إن آمنوا ، زادهم قوة إلى قوتهم .
{ وَلَا تَتَوَلَّوْا } عنه ، أي : عن ربكم { مُجْرِمِينَ } أي : مستكبرين عن عبادته ، متجرئين على محارمه .
ثم أمرهم بالاستغفار الذي فيه تكفير الذنوب السالفة ، وبالتوبة عما يستقبلون [ من الأعمال السابقة ]{[14675]} ومن اتصف بهذه الصفة يسر الله عليه رزقه ، وسهل عليه أمره وحفظ [ عليه ]{[14676]} شأنه [ وقوته ]{[14677]} ؛ ولهذا قال : { يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا } [ نوح : 11 ] ، و[ كما جاء ]{[14678]} وفي الحديث : " من لزم{[14679]} الاستغفار جعل الله له من كل هَم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب " .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَقَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبّكُمْ ثُمّ تُوبُوَاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السّمَآءَ عَلَيْكُمْ مّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوّةً إِلَىَ قُوّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلّوْاْ مُجْرِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هود لقومه : وَيا قَوْم اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ يقول : آمنوا به حتى يغفر لكم ذنوبكم . والاستغفار : هو الإيمان بالله في هذا الموضع ، لأن هودا صلى الله عليه وسلم إنما دعا قومه إلى توحيد الله ليغفر لهم ذنوبهم ، كما قال نوح لقومه : اعْبُدُوا اللّهَ واتّقُوهُ وأطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبكُمْ وَيُوَخّرْكُمْ إلى أجَلٍ مُسَمّى . وقوله : ثُمّ تُوبُوا إلَيْهِ يقول : ثم توبوا إلى الله من سالف ذنوبكم وعبادتكم غيره بعد الإيمان به . يُرْسلِ السّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارا يقول : فإنكم إن آمنتم بالله وتبتم من كفركم به ، أرسل قَطْرَ السماء عليكم يُدِرّ لكم الغيث في وقت حاجتكم إليه ، وتحيا بلادكم من الجدب والقحط .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : مِدْرَارا يقول : يتبع بعضها بعضا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : يُرْسِلِ السّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارا قال : يدرّ ذلك عليهم قطرا ومطرا .
وأما قوله : وَيَزِدْكُمْ قُوّةً إلى قُوّتِكُمْ فإن مجاهدا كان يقول في ذلك ما :
حدثني به محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : وَيَزِدْكُمْ قُوّةً إلى قُوّتِكُمْ قال : شدة إلى شدّتِكمْ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وإسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين : قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد ، فذكر مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَيَزِدْكُمْ قُوّةً إلى قُوّتِكُمْ قال : جعل لهم قوّة ، فلو أنهم أطاعوه ، زادهم قوّة إلى قوّتهم . وذكر لنا أنه إنما قيل لهم : وَيَزِدْكُمْ قُوّةً إلى قُوّتِكُمْ قال : إنه قد كان انقطع النسل عنهم سنين ، فقال هود لهم : إن آمنتم بالله أحيا الله بلادكم ورزقكم المال والولد ، لأن ذلك من القوّة .
وقوله : وَلا تَتَوَلّوْا مُجْرِمِينَ يقول : ولا تدبروا عما أدعوكم إليه من توحيد الله ، والبراءة من الأوثان والأصنام مجرمين ، يعني كافرين بالله .
{ ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه } اطلبوا مغفرة الله بالأيمان ثم توسلوا إليها بالتوبة وأيضا التبري من الغير إنما يكون بعد الإيمان بالله والرغبة فيما عنده . { يُرسل السماء عليكم مدرارا } كثير الدر . { ويزدكم قوة إلى قوتكم } ويضاعف قوتكم ، وإنما رغبهم بكثرة المطر وزيادة القوة لأنهم كانوا أصحاب زروع عمارات . وقيل حبس الله عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم ثلاثين سنة فوعدهم هود عليه السلام على الإيمان والتوبة بكثرة الأمطار وتضاعف القوة بالتناسل . { ولا تتولّوا } ولا تعرضوا عما أدعوكم إليه . { مجرمين } مصرين على إجرامكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.