{ 4 - 9 } { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ * ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ }
يخبر تعالى عن كمال قدرته بخلق { السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } أولها ، يوم الأحد ، وآخرها الجمعة ، مع قدرته على خلقها بلحظة ، ولكنه تعالى رفيق حكيم .
{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } الذي هو سقف المخلوقات ، استواء يليق بجلاله .
{ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ } يتولاكم ، في أموركم ، فينفعكم { وَلَا شَفِيع } يشفع لكم ، إن توجه عليكم العقاب .
{ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ } فتعلمون أن خالق الأرض والسماوات ، المستوي على العرش العظيم ، الذي انفرد بتدبيركم ، وتوليكم ، وله الشفاعة كلها ، هو المستحق لجميع أنواع العبادة .
يخبر تعالى أنه الخالق للأشياء ، فخلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، ثم استوى على العرش . وقد تقدم الكلام على ذلك .
{ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ } أي : بل هو المالك لأزمة الأمور ، الخالق لكل شيء ، المدبر لكل شيء ، القادر{[23052]} على كل شيء ، فلا ولي لخلقه سواه ، ولا شفيع إلا من بعد إذنه .
{ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ } يعني : أيها العابدون غيره ، المتوكلون على من عداه - تعالى وتقدس وتنزه أن يكون له نظير أو شريك أو نديد ، أو وزير أو عديل ، لا إله إلا هو ولا رب سواه .
وقد أورد النسائي هاهنا حديثا فقال : حدثنا إبراهيم بن يعقوب ، حدثني محمد بن الصباح ، حدثنا أبو عبيدة الحداد ، حدثنا الأخضر بن عَجْلان ، عن أبي جُريْج المكي ، عن عطاء ، {[23053]} عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدي فقال : «إن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، ثم استوى على العرش في اليوم{[23054]} السابع ، فخلق التربة يوم السبت ، والجبال يوم الأحد ، والشجر يوم الاثنين ، والمكروه يوم الثلاثاء ، والنور يوم الأربعاء ، والدواب يوم الخميس ، وآدم يوم الجمعة في آخر ساعة من النهار بعد العصر ، وخلقه من أديم الأرض ، بأحمرها وأسودها ، وطيبها وخبيثها ، من أجل ذلك جعل الله من بني آدم الطيب والخبيث » . {[23055]}
هكذا أورد هذا الحديث إسنادًا ومتنا ، وقد أخرج مسلم والنسائي أيضا من حديث الحجاج بن محمد الأعور ، عن ابن جُرَيج ، عن إسماعيل بن أمية ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من هذا السياق . {[23056]}
وقد علَّله البخاري في كتاب " التاريخ الكبير " فقال : " وقال بعضهم : أبو هريرة عن كعب الأحبار وهو أصح " ، {[23057]} وكذا علَّله غير واحد من الحفاظ ، والله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى : { اللّهُ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَىَ عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مّن دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكّرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : المعبود الذي لا تصلح العبادة إلاّ له أيها الناس الّذِي خَلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضَ وَما بَيْنَهُما من خلق فِي سِتّةِ أيّامٍ ثم استوى على عرشه في اليوم السابع بعد خلقه السموات والأرض وما بينهما . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة اللّهُ الّذِي خَلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتّةِ أيّامٍ ثُمّ اسْتَوَى عَلى العَرْشِ في اليوم السابع . يقول : مالكم أيها الناس إله إلاّ من فعل هذا الفعل ، وخلَق هذا الخَلْق العجيب في ستة أيام .
وقوله : ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَليّ وَلا شَفِيعٍ يقول : ما لكم أيها الناس دونه وليّ يلي أمركم وينصركم منه إن أراد بكم ضرّا ، ولا شفيع يشفع لكم عنده إن هو عاقبكم على معصيتكم إياه ، يقول : فإياه فاتخذوا وليا ، وبه وبطاعته فاستعينوا على أموركم فإنه يمنعكم إذا أراد منعكم ممن أرادكم بسوء ، ولا يقدر أحد على دفعه عما أراد بكم هو ، لأنه لا يقهره قاهر ، ولا يغلبه غالب أفَلا تَتَذَكّرُونَ يقول تعالى ذكره : أفلا تعتبرون وتتفكّرون أيها الناس ، فتعلموا أنه ليس لكم دونه وليّ ولا شفيع ، فتفردوا له الألوهة ، وتخلصوا له العبادة ، وتخلعوا ما دونه من الأنداد والاَلهة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{الله الذي خلق السماوات والأرض} يدل على نفسه عز وجل بصنعه.
{وما بينهما} يعني السحاب والرياح والجبال والشمس والقمر والنجوم.
{في ستة أيام ثم استوى على العرش} قبل خلق السماوات والأرض وقبل كل شيء.
{ما لكم من دونه من ولي} من قريب ينفعكم في الآخرة، يعني كفار مكة
{أفلا تتذكرون} فيما ذكر الله عز وجل من صنعه فتوحدونه.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: المعبود الذي لا تصلح العبادة إلاّ له أيها الناس "الّذِي خَلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضَ وَما بَيْنَهُما "من خلق "فِي سِتّةِ أيّامٍ" ثم استوى على عرشه...
وقوله: "ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَليّ وَلا شَفِيعٍ" يقول: ما لكم أيها الناس دونه وليّ يلي أمركم وينصركم منه إن أراد بكم ضرّا، ولا شفيع يشفع لكم عنده إن هو عاقبكم على معصيتكم إياه، يقول: فإياه فاتخذوا وليا، وبه وبطاعته فاستعينوا على أموركم، فإنه يمنعكم إذا أراد منعكم ممن أرادكم بسوء، ولا يقدر أحد على دفعه عما أراد بكم هو، لأنه لا يقهره قاهر، ولا يغلبه غالب. "أفَلا تَتَذَكّرُونَ" يقول تعالى ذكره: أفلا تعتبرون وتتفكّرون أيها الناس، فتعلموا أنه ليس لكم دونه وليّ ولا شفيع، فتفردوا له الألوهة، وتخلصوا له العبادة، وتخلعوا ما دونه من الأنداد والآلهة.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت: ما معنى قوله: {مَا لَكُمْ مّن دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٍ} قلت: هو على معنيين، أحدهما: أنكم إذا جاوزتم رضاه لم تجدوا لأنفسكم ولياً، أي: ناصراً ينصركم ولا شفيعاً يشفع لكم. والثاني: أن الله وليكم الذي يتولى مصالحكم، وشفيعكم أي ناصركم على سبيل المجاز، لأن الشفيع ينصر المشفوع له. فهو كقوله تعالى: {وَمَا لَكُم مّن دُونِ الله مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ} [البقرة: 107] فإذا خذلكم لم يبق لكم وليّ ولا نصير.
{ثم استوى على العرش} اعلم أن مذهب العلماء في هذه الآية وأمثالها على وجهين، أحدهما: ترك التعرض إلى بيان المراد وثانيهما: التعرض إليه والأول أسلم وإلى الحكمة أقرب.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
" خلق "أبدع وأوجد بعد العدم وبعد أن لم تكن شيئا.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{الذي خلق السماوات} كلها {والأرض} بأسرها {وما بينهما} من المنافع العينية والمعنوية.
{ثم استوى على العرش} أي استواء لم يعهدوا مثله وهو أنه أخذ في تدبيره و تدبير ما حواه بنفسه، لا شريك له ولا نائب عنه ولا وزير، كما تعهدون من ملوك الدنيا إذا اتسعت ممالكهم، وتباعدت أطرافها، وتناءت أقطارها.
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي 911 هـ :
{ثم استوى على العرش} هو في اللغة سرير الملك استواءً يليق به
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ} أي ألا تسمعُون هذه المواعظَ فلا تتذكرون بها، أو أتسمعونها فلا تتذكرون بها، فالإنكارُ على الأول متوجه إلى عدمِ السَّماعِ وعدم التَّذكر معاً، وعلى الثاني على عدمِ التَّذكرِ مع تحققِ ما يُوجبه من السَّماعِ.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(ثم استوى على العرش).. الاستواء على العرش رمز لاستعلائه على الخلق كله، أما العرش ذاته فلا سبيل إلى قول شيء عنه، ولا بد من الوقوف عند لفظه.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
لما كان الركن الأعظم من أركان هدى الكتاب هو إثبات الوحدانية للإله وإبطال الشرك عُقب الثناء على الكتاب بإثبات هذا الركن، وجيء باسم الجلالة مبتدأ لإحضاره في الأذهان بالاسم المختص به قطعاً لدابر عقيدة الشريك في الإلهية.
والوليّ: مشتق من الولاء، بمعنى: العهد والحلف والقرابة، ومن لوازم حقيقة الولاء النصر والدفاع عن المولَى، وأُريد بالولي: المشارك في الربوبية، والشفيع: الوسيط في قضاء الحوائج من دفع ضرّ أو جلب نفع.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
أما كلمة العرش تختزن معنى الحكم الذي يتصل بالتدبير الشامل لما تحت سلطانه، وربما كان في الحديث عن الاستواء على العرش إشارةٌ إلى استناد التدبير إلى الله، في مقابل الفكرة التي كان يعتقدها المشركون أن الله هو الخالق للعالم، ولكنه أوكل أمر تدبيره إلى آلهتهم المزعومة، فكان من الضروري أن يتحدث القرآن عن الله من موقع الخلق والتدبير معاً، لتكتمل الصورة في العقيدة بالله من جميع الجهات.