{ إِلَّا مَنْ تَابَ } عن هذه المعاصي وغيرها بأن أقلع عنها في الحال وندم على ما مضى له من فعلها وعزم عزما جازما أن لا يعود ، { وَآمَنَ } بالله إيمانا صحيحا يقتضي ترك المعاصي وفعل الطاعات { وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا } مما أمر به الشارع إذا قصد به وجه الله .
{ فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } أي : تتبدل أفعالهم وأقوالهم التي كانت مستعدة لعمل السيئات تتبدل حسنات ، فيتبدل شركهم إيمانا ومعصيتهم طاعة وتتبدل نفس السيئات التي عملوها ثم أحدثوا عن كل ذنب منها توبة وإنابة وطاعة تبدل حسنات كما هو ظاهر الآية .
وورد في ذلك حديث الرجل الذي حاسبه الله ببعض ذنوبه فعددها عليه ثم أبدل مكان كل سيئة حسنة فقال : : يا رب إن لي سيئات لا أراها هاهنا " والله أعلم .
{ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا } لمن تاب يغفر الذنوب العظيمة { رَحِيمًا } بعباده حيث دعاهم إلى التوبة بعد مبارزته بالعظائم ثم وفقهم لها ثم قبلها منهم .
ثم يفتح باب التوبة لمن أراد أن ينجو من هذا المصير المسيء بالتوبة والإيمان الصحيح والعمل الصالح : ( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا )ويعد التائبين المؤمنين العاملين أن يبدل ما عملوه من سيئات قبل التوبة حسنات بعدها تضاف إلى حسناتهم الجديدة : ( فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) . وهو فيض من عطاء الله لا مقابل له من عمل العبد إلا أنه اهتدى ورجع عن الضلال ، وثاب إلى حمى الله ، ولاذ به بعد الشرود والمتاهة . ( وكان الله غفورا رحيما ) . .
وقوله { إلا من تاب } الآية لا خلاف بين العلماء أن الاستثناء عامل في الكافر والزاني واختلفوا في القاتل من المسلمين ، فقال جمهور العلماء له التوبة وجعلت هذه الفرقة قاعدتها قوله تعالى : { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }{[8884]} [ النساء : 48 ] فجعل القاتل في المشيئة كسائر التائبين من الذنوب ، ويتأولون الخلود الذي في آية القتل في سورة النساء{[8885]} بمعنى الدوام إلى مدة كخلد الدول ونحوه ، وروى أبو هريرة في أن التوبة لمن قتل حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم{[8886]} ، وقيل إن هذه الآية نزلت في وحشي قاتل حمزة ، وقاله سعيد بن جبير ، وقال ابن عباس وغيره لا توبة للقاتل ، قال ابن عباس وهذه الآية إنما أريد بالتوبة فيها المشركون وذلك أنها لما نزلت { إلا من تاب } الآية ، ونزلت { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله }{[8887]} [ الزمر : 53 ] ، فما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرح فرحه بها وبسورة الفتح{[8888]} ، وقال غير ابن عباس ممن قال بأن لا توبة للقاتل إن هذه الآية منسوخة بآية سورة النساء قاله زيد بن ثابت ، ورواه أيضاً سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وقال أبو الجوزاء صحبت ابن عباس ثلاث عشرة سنة فما شيء من القرآن إلا سألته عنه فما سمعته يقول إن الله تعالى يقول لذنب لا أغفره وقوله تعالى : { يبدل الله سيئاتهم حسنات } .
معناه يجعل أعمالهم بدل معاصيهم الأول طاعة فيكون ذلك سبباً لرحمة الله إياهم قاله ابن عباس وابن جبير وابن زيد والحسن ، ورد على من قال هو في يوم القيامة ، وقد ورد حديث في كتاب مسلم من طريق أبي يقتضي أن الله تعالى يبدل يوم القيامة لمن يريد المغفرة من الموحدين بدل سيئات حسنات ، وذكره الترمذي والطبري وهذا تأويل ابن المسيب في هذه الآية .
قال القاضي أبو محمد : وهو معنى كرم العفو ، وقرأ ابن أبي عبلة «يبْدِل » بسكون الباء وتخفيف الدال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.