فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمۡ حَسَنَٰتٖۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (70)

{ إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالحا } قيل هو استثناء متصل ، وقيل منقطع . قال أبو حيان : لا يظهر الاتصال ؛ لأن المستثنى منه محكوم عليه بأنه يضاعف له العذاب ، فيصير التقدير : إلاّ من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً ، فلا يضاعف له العذاب ، ولا يلزم من انتفاء التضعيف انتفاء العذاب غير المضعف . قال : والأولى عندي أن تكون منقطعا :ً أي لكن من تاب . قال القرطبي : لا خلاف بين العلماء أن الاستثناء عام في الكافر والزاني . واختلفوا في القاتل من المسلمين .

وقد تقدّم بيانه في النساء والمائدة ، والإشارة بقوله : { فأولئك يُبَدّلُ الله سَيّئَاتِهِمْ حسنات } إلى المذكورين سابقاً ، ومعنى تبديل السيئات حسنات : أنه يمحو عنهم المعاصي ، ويثبت لهم مكانها طاعات . قال النحاس : من أحسن ما قيل في ذلك أنه يكتب موضع كافر مؤمن ، وموضع عاص مطيع . قال الحسن : قوم يقولون التبديل في الآخرة ، وليس كذلك إنما التبديل في الدنيا يبدل الله لهم إيماناً مكان الشرك ، وإخلاصاً من الشك ، وإحصاناً من الفجور . قال الزجاج : ليس يجعل مكان السيئة الحسنة ، ولكن يجعل مكان السيئة التوبة ، والحسنة مع التوبة . وقيل إن السيئات تبدّل بحسنات ، وبه قال جماعة من الصحابة ومن بعدهم . وقيل التبديل عبارة عن الغفران : أي يغفر الله لهم تلك السيئات ، لا أن يبدلها حسنات ؛ وقيل المراد بالتبديل : أن يوفقه لأضداد ما سلف منه { وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً } هذه الجملة مقرّرة لما قبلها من التبديل .

/خ77