بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمۡ حَسَنَٰتٖۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (70)

ثم قال عز وجل : { إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ } يعني : تاب من الشرك والزنى والقتل ، وصدَّق بتوحيد الله تعالى : { وَعَمِلَ صالحا فَأُوْلَئِكَ * يُبَدّلُ الله سَيّئَاتِهِمْ حسنات } يعني : مكان الشرك الإيمان ، ومكان القتل الكف ، ومكان الزنى العفاف ، ومكان المعصية العصمة والطاعة . ويقال : إنه يبدل في الآخرة مكان عمل السيئات والحسنات .

وروي عن ابن مسعود أنه قال : إن يوم القيامة إذا أعطي الإنسان كتابه لينظر في كتابه فيرى أوله معاصي ، وفي الآخر حسنات ، فلما رجع إلى أول الكتاب ، رآه كله حسنات .

روى أبو ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يُعْرَضُ عَلَيْهِ أَصَاغِرُ ذُنُوبِهِ ، وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنَ الكَبَائِرِ أَنْ تَجِيءَ ذُنُوبُهُ العِظَامُ ، فَإِذَا أَرَادَ بِهِ خَيْراً قِيلَ : أَعْطُوهُ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً . فَيَقُولُ : يَا ربّ إِنَّ لِي ذُنُوباً مَا أرَاها هنا " . قال : ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك ، ثم تلا : { فَأُوْلَئِكَ يُبَدّلُ الله سَيّئَاتِهِمْ حسنات } . وذكر عن أبي هريرة أنه قال : خرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألتني امرأة في الطريق فقالت زنيت ، ثم قتلت الولد ، فهل لي من توبة ؟ فقلت : لا توبة لك أبداً . ثم قلت : أفتيتها ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ، فرجعت إليه ، فأخبرته بذلك فقال : «هَلِكْتَ وَأهْلَكْتَ ، فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ هذه الآية . { والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها ءاخَرَ } إلى قوله : { فَأُوْلَئِكَ يُبَدّلُ الله سَيّئَاتِهِمْ حسنات } فخرجت وقلت : من يدلني على امرأة سألتني مسألة ، والصبيان يقولون : جن أبو هريرة حتى أدركتها ، وأخبرتها بذلك فسرت . وقالت : إن لي حديقة جعلتها لله ولرسوله . وقال بعضهم : هذه الآية مدنية نزلت في شأن وحشي وقال بعضهم الآية قد كانت نزلت بمكة فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى وحشي ثم قال تعالى : { وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً } يعني : غفوراً لما فعلوا قبل التوبة لمن تاب رحيم بالمؤمنين بعد التوبة .