الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمۡ حَسَنَٰتٖۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (70)

قوله : { إِلاَّ مَن تَابَ } : فيه وجهان ، أحدُهما : وهو الذي لم يَعْرف الناسُ غيرَه أنَّه استثناءٌ متصلٌ لأنَّه من الجنسِ . الثاني : أنه منقطع . قال الشيخ : " ولا يَظْهَرْ يعني الاتصال لأنَّ المستثنى منه مَحْكومٌ عليه بأنَّه يُضاعَفُ له العذابُ ، فيصيرُ التقديرُ : إلاَّ مَنْ تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالحاً فلا يُضاعَفُ له . ولا يَلزَمُ من انتفاءِ التضعيفِ انتفاءُ العذابِ غيرِ المضعَّفِ ، فالأولى عندي أَنْ يكونَ استثناءً منقطعاً أي : لكن مَنْ/ تابَ وآمنَ وعَمِل عملاً صالحاً فأولئك يُبَدِّل اللهُ سيئاتِهم حسناتٍ . وإذا كان كذلك فلا يَلْقَى عذاباً البتةَ " . قلت : والظاهرُ قولُ الجمهورِ . وأمَّا ما قاله فلا يَلْزَمُ ؛ إذ المقصودُ الإِخبارُ بأنَّ مَنْ فعل كذا فإنه يَحُلُّ به ما ذَكَرَ ، إلاَّ أَنْ يتوبَ . وأمَّا إصابةُ أصلِ العذابِ وعدمُها فلا تَعرُّضَ في الآية له .

قوله : { سَيِّئَاتِهِمْ } هو المفعولُ الثاني للتبديلِ ، وهو المقيَّدُ بحرفِ الجر ، وإنما حُذِفَ لفهم المعنى وحَسَنات هو الأولُ المُسَرَّح وهو المأخوذُ ، والمجرورُ بالباءِ هو المتروكُ . وقد صَرَّح بهذا في قولِه تعالى : { بَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ } [ سبأ : 16 ] . وقال الراجز :

تَضْحَكُ منِّي أختُ ذاتِ النِّحْيَيْنْ *** أَبْدلكِ اللهُ بلونٍ لَوْنَيْنْ

سوادَ وجهٍ وبياضَ عَيْنَيْنُ ***

وقد تقدم تحقيقُ هذا في البقرةِ عند قولِه : { وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ } [ البقرة : 211 ] .