اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمۡ حَسَنَٰتٖۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (70)

قوله : { إِلاَّ مَن تَابَ } فيه وجهان :

أحدهما : وهو الذي لم يعرف الناس غيره : أنه استثناء متصل ؛ لأنه من الجنس{[36722]} .

والثاني : أنه منقطع . قال أبو حيان : ولا يظهر ، يعني الاتصال ؛ لأن المستثنى منه محكوم عليه بأنه يضاعف له العذاب ( فيصير التقدير : إلاَّ مَنْ تَابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَلاَ يُضَاعَفُ لَهُ العَذَابُ ) {[36723]} ، ولا يلزم من انتفاء التضعيف انتفاء العذاب غير المُضَعَّف ، فالأولى عندي أن يكون استثناءً منقطعاً ، أي : لكن مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيّآتِهِمْ حَسَنَاتٍ وإذا كان كذلك فلا يلقى عذاباً ألبتة{[36724]} .

قال شهاب الدين : والظاهر قول الجمهور ، وأمَّا ما قاله فلا يلزم إذ المقصود الإخبار بأنَّ من فعل كذا فإنه يحلُّ به ما ذكر إلا أن يتوب ، وأمَّا إصابة أصل العذاب وعدمها فلا تعرُّض في الآية له{[36725]} . واعلم أن البحث الذي ذكره أبو حيان ذكره أيضاً ابن الخطيب فقال : دلت الآية على أن التوبة مقبولة ، والاستثناء لا يدل على ذلك ، لأنه أثبت أنه{[36726]} يضاعف له العذاب ضعفين ، فيكفي لصحة الاستثناء أن لا يضاعف للتائب ضعفين ، وإنما يدلّ عليه قوله : { فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ }{[36727]} .

فصل

نقل عن ابن عباس أنه قال : توبة القاتل لا تقبل ، وزعم أن هذه الآية منسوخة ( بقوله تعالى ) {[36728]} : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً } [ النساء : 93 ] ، وقالوا : نزلت الغليظة بعد اللينة بمدة يسيرة ، وعن الضحاك ومقاتل بثمان سنين ، وتقدم في سورة النساء{[36729]} .

فإن قيل : العمل الصالح يدخل في التوبة والإيمان فذكرهما قبل العمل الصالح حَشْوٌ ؟ فالجواب : أفردهما بالذكر لعلوّ شأنهما ولما كان لا بدَّ معهما من سائر الأعمال لا جرم ذكر عقيبهما العمل الصالح{[36730]} .

قوله : { فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } .

قال ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير والسدي ومجاهد وقتادة : التبديل إنما يكون في الدنيا ، فيبدل الله تعالى قبائح أعمالهم في الشرك بمحاسن الأعمال في الإسلام ، فيبدلهم بالشرك إيماناً ، وبقتل{[36731]} المؤمنين قتل{[36732]} المشركين ، وبالزنا إحصاناً وعفة{[36733]} . وقيل : يبدل الله سيئاتهم{[36734]} التي عملوها في الإسلام حسنات{[36735]} .

قال الزجاج : السيئة بعينها لا تصير حسنةً ، فالتأويل : أن السيئة تمحى بالتوبة وتكتب الحسنة مع التوبة ، والكافر يُحْبِطُ اللَّه عَمَلَهُ ويثبت عليه السَّيِّئَات{[36736]} .

قوله : «سَيِّئَاتِهِمْ » هو المفعول الثاني للتبديل ، وهو المقيد بحرف الجر ، وإنما حذف ، لفهم المعنى ، و «حسنات » هو الأول المسرح{[36737]} ، وهو المأخوذ ، والمجرور بالباء هو المتروك{[36738]} ، وقد صرح بهذا في قوله تعالى : { وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ }{[36739]} [ سبأ : 16 ] وقال :

تَضْحَكُ مِنِّي أُخْتُ{[36740]} ذَاتِ النِّحْييْنِ *** . . .

أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِلَوْنِ لَوْنَيْنِ *** . . .

سَوَادَ وَجْهٍ وَبَيَاضَ عَيْنَيْنِ{[36741]} *** . . .

وتقدم تحقيق هذا في البقرة عند قوله{[36742]} : { وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ الله }{[36743]} [ البقرة : 211 ] .


[36722]:انظر التبيان 2/991.
[36723]:ما بين القوسين سقط من ب.
[36724]:البحر المحيط 6/515.
[36725]:الدر المصون 5/146 – 147.
[36726]:أنه: سقط من ب.
[36727]:الفخر الرازي 24/112.
[36728]:ما بين القوسين سقط من ب.
[36729]:انظر الفخر الرازي 24/112.
[36730]:المرجع السابق.
[36731]:في ب: بقل. وهو تحريف.
[36732]:في ب: قبل. وهو تحريف.
[36733]:انظر الفخر الرازي 24/112.
[36734]:سيئاتهم: سقط من ب.
[36735]:انظر الفخر الرازي 24/112.
[36736]:معاني القرآن وإعرابه 4/706.
[36737]:في ب: المفتوح. وهو تحريف.
[36738]:انظر البحر المحيط 6/515 – 516.
[36739]:[سبأ: 16]. واستشهد بها على أن الباء تدخل على المفعول الثاني وهو المتروك.
[36740]:في ب: نلت. وهو تحريف.
[36741]:من الرجز لم أهتد إلى قائله، وقد تقدم.
[36742]:في ب: قوله تعالى.
[36743]:من قوله تعالى: {ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب} [البقرة: 211].