قوله : { إِلاَّ مَن تَابَ } فيه وجهان :
أحدهما : وهو الذي لم يعرف الناس غيره : أنه استثناء متصل ؛ لأنه من الجنس{[36722]} .
والثاني : أنه منقطع . قال أبو حيان : ولا يظهر ، يعني الاتصال ؛ لأن المستثنى منه محكوم عليه بأنه يضاعف له العذاب ( فيصير التقدير : إلاَّ مَنْ تَابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَلاَ يُضَاعَفُ لَهُ العَذَابُ ) {[36723]} ، ولا يلزم من انتفاء التضعيف انتفاء العذاب غير المُضَعَّف ، فالأولى عندي أن يكون استثناءً منقطعاً ، أي : لكن مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيّآتِهِمْ حَسَنَاتٍ وإذا كان كذلك فلا يلقى عذاباً ألبتة{[36724]} .
قال شهاب الدين : والظاهر قول الجمهور ، وأمَّا ما قاله فلا يلزم إذ المقصود الإخبار بأنَّ من فعل كذا فإنه يحلُّ به ما ذكر إلا أن يتوب ، وأمَّا إصابة أصل العذاب وعدمها فلا تعرُّض في الآية له{[36725]} . واعلم أن البحث الذي ذكره أبو حيان ذكره أيضاً ابن الخطيب فقال : دلت الآية على أن التوبة مقبولة ، والاستثناء لا يدل على ذلك ، لأنه أثبت أنه{[36726]} يضاعف له العذاب ضعفين ، فيكفي لصحة الاستثناء أن لا يضاعف للتائب ضعفين ، وإنما يدلّ عليه قوله : { فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ }{[36727]} .
نقل عن ابن عباس أنه قال : توبة القاتل لا تقبل ، وزعم أن هذه الآية منسوخة ( بقوله تعالى ) {[36728]} : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً } [ النساء : 93 ] ، وقالوا : نزلت الغليظة بعد اللينة بمدة يسيرة ، وعن الضحاك ومقاتل بثمان سنين ، وتقدم في سورة النساء{[36729]} .
فإن قيل : العمل الصالح يدخل في التوبة والإيمان فذكرهما قبل العمل الصالح حَشْوٌ ؟ فالجواب : أفردهما بالذكر لعلوّ شأنهما ولما كان لا بدَّ معهما من سائر الأعمال لا جرم ذكر عقيبهما العمل الصالح{[36730]} .
قوله : { فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } .
قال ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير والسدي ومجاهد وقتادة : التبديل إنما يكون في الدنيا ، فيبدل الله تعالى قبائح أعمالهم في الشرك بمحاسن الأعمال في الإسلام ، فيبدلهم بالشرك إيماناً ، وبقتل{[36731]} المؤمنين قتل{[36732]} المشركين ، وبالزنا إحصاناً وعفة{[36733]} . وقيل : يبدل الله سيئاتهم{[36734]} التي عملوها في الإسلام حسنات{[36735]} .
قال الزجاج : السيئة بعينها لا تصير حسنةً ، فالتأويل : أن السيئة تمحى بالتوبة وتكتب الحسنة مع التوبة ، والكافر يُحْبِطُ اللَّه عَمَلَهُ ويثبت عليه السَّيِّئَات{[36736]} .
قوله : «سَيِّئَاتِهِمْ » هو المفعول الثاني للتبديل ، وهو المقيد بحرف الجر ، وإنما حذف ، لفهم المعنى ، و «حسنات » هو الأول المسرح{[36737]} ، وهو المأخوذ ، والمجرور بالباء هو المتروك{[36738]} ، وقد صرح بهذا في قوله تعالى : { وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ }{[36739]} [ سبأ : 16 ] وقال :
تَضْحَكُ مِنِّي أُخْتُ{[36740]} ذَاتِ النِّحْييْنِ *** . . .
أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِلَوْنِ لَوْنَيْنِ *** . . .
سَوَادَ وَجْهٍ وَبَيَاضَ عَيْنَيْنِ{[36741]} *** . . .
وتقدم تحقيق هذا في البقرة عند قوله{[36742]} : { وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ الله }{[36743]} [ البقرة : 211 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.