الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمۡ حَسَنَٰتٖۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (70)

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } قال : هم المؤمنون ؛ كانوا من قبل إيمانهم على السيئات ، فرغب الله بهم عن ذلك ، فحولهم إلى الحسنات ، فأبدلهم مكان السيئات الحسنات .

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { إلا من تاب } قال : من ذنبه { وآمن } قال : بربه . { وعمل صالحاً } قال : فيما بينه وبين ربه { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } قال : إنما التبديل طاعة الله بعد عصيانه ، وذكر الله بعد نسيانه ، والخير تعمله بعد الشر .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الحسن { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } قال : التبديل في الدنيا يبدل الله بالعمل السيئ العمل الصالح ، وبالشرك إخلاصا ، وبالفجور عفافاً ، ونحو ذلك .

وأخرج الفريابي و عبد بن حميد عن مجاهد { يبدل الله سيئاتهم حسنات } قال : الإِيمان بعد الشرك .

وأخرج عبد بن حميد عن مكحول { يبدل الله سيئاتهم حسنات } قال : إذا تابوا جعل الله ما عملوا من سيئاتهم حسنات .

وأخرج عبد بن حميد عن علي بن الحسين { يبدل الله سيئاتهم حسنات } قال : في الآخرة وقال الحسن : في الدنيا .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي عثمان النهدي قال : إن المؤمن يعطى كتابه في ستر من الله فيقرأ سيئاته ، فإذا قرأ تغير لها لونه حتى يمر بحسناته فيقرأها فيرجع إليه لونه ، ثم ينظر فإذا سيئاته قد بُدِّلَتْ حسنات فعند ذلك يقول { هاؤم اقرأوا كتابيه } [ الحاقة : 19 ] .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سلمان قال : يعطى رجل يوم القيامة صحيفة فيقرأ أعلاها فإذا سيئاته ، فإذا كاد يسوء ظنه نظر في أسفلها فإذا حسناته ، ثم ينظر في أعلاها فإذا هي قد بدلت حسنات .

وأخرج أحمد وهناد ومسلم والترمذي وابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه ، فيعرض عليه صغارها وينحى عنه كبارها فيقال : عملت يوم كذا وكذا ؛ كذا وكذا وهو مقر ليس ينكر ، وهو مُشْفِقٌ من الكبار أن تجيء فيقال : أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة » .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ليأتين ناس يوم القيامة ودوا أنهم استكثروا من السيئات قيل : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : الذين بدل الله سيئاتهم حسنات » .

وأخرج عبد بن حميد عن عمرو بن ميمون { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } قال : حتى يتمنى العبد أن سيئاته كانت أكثر مما هي .

وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية أنه قيل له : إن أناساً يزعمون أنهم يتمنون أن يستكثروا من الذنوب قال : ولم ذاك ؟ قال : يتأوّلون هذه الآية { يبدل الله سيئاتهم حسنات } فقال أبو العالية : وكان إذا أخبر بما لا يعلم قال : آمنت بما أنزل الله من كتاب . ثم تلا هذه الآية { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً } .

وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال : « جاء شيخ كبير فقال : يا رسول الله رجل غدر وفجر فلم يدع حاجة ولا داجة إلا اقتطعها بيمينه ، ولو قسمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم . فهل له من توبة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أسلمت . . ؟ قال : نعم . قال : فإن الله غافر لك ، ومبدل سيئاتك حسنات قال : يا رسول الله وغدارتي . . . وفجراتي . . قال : وغدراتك وفجراتك » .

وأخرج الطبراني عن سلمة بن كهيل قال : « جاء شاب فقال : يا رسول الله أرأيت من لم يدع سيئة إلا عملها ، ولا خطيئة إلا ركبها ، ولا أشرف له سهم فما فوقه إلا اقتطعه بيمينه ، ومن لو قسمت خطاياه على أهل المدينة لغمرتهم ؟ فقال النبي : صلى الله عليه وسلم أأسلمت . . . ؟ قال : أما أنا فاشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قال : اذهب فقد بدل الله سيئاتك حسنات قال : يا رسول الله وغدارتي . . وفجراتي . . قال : وغدراتك وفجراتك ثلاثاً » فولى الشاب وهو يقول : الله أكبر .

وأخرج البغوي وابن قانع والطبراني عن أبي طويل شطب الممدود أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها ؟ فذكر نحوه .

وأخرج ابن مردويه عن أبي موسى قال : التبديل يوم القيامة إذا وقف العبد بين يدي الله والكتاب بين يديه ينظر في السيئات والحسنات فيقول : قد غفرت لك ويسجد بين يديه فيقول : قد بدلت فيسجد فيقول : قد بدلت فيسجد فيقول الخلائق : طوبى لهذا العبد الذي لم يعمل سيئة قط .

وأخرج الطبراني عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا نام ابن آدم قال الملك للشيطان : أعطني صحيفتك فيعطيه إياها ، فما وجد في صحيفته من حسنة محا بها عشر سيئات من صحيفة الشيطان وكتبهن حسنات ، فإذا أراد أحدكم أن ينام فليكبر ثلاثاً وثلاثين تكبيرة ، ويحمد أربعاً وثلاثين تحميدة ، ويسبح ثلاثاً وثلاثين تسبيحة ، فتلك مائة » .

وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول في قوله { يبدل الله سيئاتهم حسنات } قال : يجعل مكان السيئات الحسنات قال : فرأيت مكحولاً غضب حتى جعل يرتعد .