النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمۡ حَسَنَٰتٖۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (70)

{ إِلاَّ مَن تَابَ } يعني من الزنى .

{ وَآمَنَ } يعني من الشرك

{ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً } يعني بعد السيئات .

{ فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : في الدنيا يبدلهم بالشرك إيماناً ، وبالزنى إحصاناً ، وبذكر الله بعد نسيانه ، وبطاعته بعد عصيانه ، وهذا معنى قول الحسن وقتادة .

الثاني : أنه في الآخرة فيمن غلبت حسناته على سيئاته فيبدل الله السيئات حسنات ، قاله أبو هريرة .

الثالث : أنه يبدل الله عقاب سيئاته إذا ثاب منها بثواب حسناته إذا انتقل إليها ، قاله ابن بحر .

{ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً } لما تقدم قبل التوبة .

{ رَحِيماً } بعدها .

وحكى الكلبي أنّ وحشياً وهو عبد عتبة بن غزوان كتب بعد وقعة أحد وقَتْلِ حمزة إلى النبي صلى الله عليه وسلم : هل من توبة ؟ فإن الله أنزل بمكة إياسي من كل خير { وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ } الآية وإن وحشياً قد فعل هذا كله ، وقد زنى وأشرك وقتل النفس التي حرم الله ، فأنزل الله { إلاَّ مَن تَابَ } أي من الزنى وآمن بعد الشرك وعمل عملا صالحاً بعد السيئات ، فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقال وحشي : هذا شرط شديد ولعلي لا أبقى بعد التوبة حتى أعمل صالحاً ، فكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هل من شيء أوسع من هذا ؟ فأنزل الله

{ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ }

[ النساء : 48 ، 116 ] ، فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وحشي ، فأرسل وحشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأخاف أن لا أكون في مشيئة الله فأنزل الله في وحشي وأصحابه :

{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرًُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً }

[ الزمر : 53 ] الآية . فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وحشي فأقبل وحشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم .