ثم يجول بهم جولة في مصارع المكذبين من السابقين :
ولقد آتينا موسى الكتاب ، وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا فقلنا : اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا ، فدمرناهم تدميرا . وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما . و عاد وثمود وأصحاب الرس ، وقرونا بين ذلك كثيرا . وكلا ضربنا له الأمثال ، وكلا تبرنا تتبيرا . ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها ? بل كانوا لا يرجون نشورا ) . .
إنها أمثلة مختصرة سريعة ترسم مصائر المكذبين :
فهذا موسى يؤتى الكتاب ويرسل معه أخوه هارون وزيرا ومعينا . ويؤمر بمواجهة ( القوم الذين كذبوا بآياتنا )ذلك أن فرعون وملأه كانوا مكذبين بأيات الله - حتى قبل إرسال موسى وهارون إليهم ، فآيات الله قائمة دائمة ، والرسل إنما يذكرون بها الغافلين . . وقبل أن تتم الآية الثانية في السياق يرسم مصيرهم في عنف وإجمال ( فدمرناهم تدميرا ) .
{ فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا } يعني فرعون وقومه . { بآياتنا فدمرناهم تدميرا } أي فذهبنا إليهم فكذبوهما فدمرناهم ، فاقتصر على حاشيتي القصة اكتفاء بما هو المقصود منها وهو إلزام الحجة ببعثة الرسل واستحقا التدمير بتكذيبهم والتعقيب باعتبار الحكم لا الوقوع ، وقرىء " فدمرتهم " فدمراهم فدمرانهم " على التأكيد بالنون الثقيلة .
الموصول في قوله : { الذين كذبوا بآياتنا } للإيماء إلى علة الخبر عنهم بالتدمير .
وقد حصل بهذا النظم إيجاز عجيب اختصرت به القصة فذكر منها حاشيتاها : أولُها وآخرها لأنهما المقصود بالقصة وهو استحقاق الأمم التدمير بتكذيبهم رسلهم .
والتدمير : الإهلاك ، والهَلاك : دُمور .
وإتباع الفعل بالمفعول المطلق لما في تنكير المصدر من تعظيم التدمير وهو الإغراق في اليَمّ .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم انقطع الكلام فأخبر الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: {فقلنا اذهبا إلى القوم} يعني أهل مصر {الذين كذبوا بآياتنا} يعني الآيات التسع {فدمرناهم تدميرا}، يعني أهلكناهم بالعذاب هلاكا يعني الغرق.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"فقُلْنا اذْهَبا إلى القَوْمِ الّذِينَ كَذّبُوا بآياتِنا" يقول: فقلنا لهما: اذهبا إلى فرعون وقومه الذي كذّبوا بإعلامنا وأدلتنا، "فدمرناهم تدميرا". وفي الكلام متروك استغني بدلالة ما ذكر من ذكره وهو: فذهبا فكذبوهما، فدمرناهم حينئذٍ.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
والمعنى: فذهبا إليهم فكذبوهما فدمرناهم... أراد اختصار القصة فذكر حاشيتيها أوّلها وآخرها، لأنهما المقصود بطولها أعني: إلزام الحجة ببعثة الرسل واستحقاق التدمير بتكذيبهم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كانت الواو لا ترتب، فلم يلزم من هذا أن يكون هذا الجعل بعد إنزال الكتاب كما هو الواقع، رتب عليه قوله: {فقلنا} أي بعد جعلنا له وزيراً. ولما كان المقصود هنا من القصة التسلية والتخويف، ذكر حاشيتها أولها وآخرها، وهما إلزام الحجة والتدمير، فقال: {اذهبا إلى القوم} أي الذين فيهم قوة وقدرة على ما يعانونه وهم القبط {الذين كذبوا بآياتنا} أي المرئية والمسموعة من الأنبياء الماضين قبل إتيانكما في علم الشهادة، والمرئية والمسموعة منكما بعد إتيانكما في علمنا. فذهبا إليهم فكذبوهما فيما أرياهم وأخبرهم به من الآيات، لما طبعناهم عليه من الطبع المهيىء لذلك.
ولما كان السياق للإنذار بالفرقان، طوي أمرهم إلا في عذابهم فقال: {فدمرناهم} أي لذلك {تدميراً} بإغراقهم أجمعين عل يد موسى عليه السلام في البحر، لم نبق منهم أحداً مع ما أصبناهم به قبل ذلك من المصائب، مع اجتهاد موسى عليه السلام في إحيائهم بالإيمان، الموجب لإبقائهم في الدارين، عكس ما فعلناه بموسى عليه السلام من إنجائه من الهلاك بإلقائه في البحر، وإبقائه بمن اجتهد في إعدامه، وجعلنا لكل منهما حظاً من بحره {هذا ملح أجاج} هو غطاء جهنم، {وهذا عذب فرات} [الفرقان: 53] عنصره من الجنة، فليحذر هؤلاء الذين تدعوهم من مثل ذلك إن فعلوا مثل فعل أولئك.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
وأضاف سبحانه القول إلى ذاته العلية تشريفا لهما وتنويها بأمرهما، وقوله تعالى: {اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} الأمر بالذهاب يومئ إلى أنهما مقدمان على أمر جليل في شأنه، خطير في ذاته، لأنه لقوم عتاة، يسبقون إلى الكفر بدل السبق بالإيمان. وقد وصفهم الله سبحانه وتعالى بأنهم كذبوا بآيات الله مع التكذيب بعد الذهاب، وبعد الذهاب، وبعدما آتى الله تعالى موسى تسع آيات مبينات، فكيف يكونون موصوفين بذلك عند الذهاب،
والجواب عن ذلك أنه أخبر بالماضي، لبيان تأكد الدفوع منهم، كما في قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ... (1)} [النحل]، وكما في قوله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر (1)} [القمر]، عند بعض المفسرين الذين يقولون: إن انشقاق القمر يوم البعث.
والتدمير إدخال الهلاك في الشيء، أو الهلاك، والفاء أيضا للعطف والترتيب والتعقيب، قد يقال كيف كان التدمير عقب الذهاب، وقد لبث موسى فيهم يدعو سنين،
ونقول: إن الزمن في ذاته لم يكون طويلا، وإن كان عند الناس طويلا؛ ولأن التكذيب يتبعه لا محالة التدمير.
وذكر القوم، ولم يذكر فرعون مع أنه الرأس الطاغي، ونقول في الجواب عن ذلك، إنه لولا حاشيته وقومه ما طغى وتجبر، وكذلك الشأن في كل طاغية جبار ملؤه هم الذين يقرونه ويشجعونه.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.