{ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } عمل الإنسان له ثلاث حالات : إما أسوأ ، أو أحسن ، أو لا أسوأ ، ولا أحسن .
والقسم الأخير قسم المباحات وما لا يتعلق به ثواب ولا عقاب ، والأسوأ ، المعاصي كلها ، والأحسن الطاعات كلها ، فبهذا التفصيل ، يتبين معنى الآية ، وأن قوله : { لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا } أي : ذنوبهم الصغار ، بسبب إحسانهم وتقواهم ، { وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } أي : بحسناتهم كلها { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا }
( ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ؛ ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون ) . .
فالعدل أن تحسب الحسنات وتحسب السيئات ؛ ثم يكون الجزاء .
والفضل هو هذا الذي يتجلى به الله على عباده المتقين هؤلاء أن يكفر عنهم أسوأ أعمالهم فلا يبقى لها حساب في ميزانهم . وأن يجزيهم أجرهم بحساب الأحسن فيما كانوا يعملون ، فتزيد حسناتهم وتعلو وترجح في الميزان .
إنه فضل الله يؤتيه من يشاء . كتبه الله على نفسه بوعده . فهو واقع يطمئن إليه المتقون المحسنون . .
{ ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا } خص الأسوأ للمبالغة فإنه إذا كفر كان غيره أولى بذلك ، أو للإشعار بأنهم لاستعظامهم الذنوب يحسبون أنهم مقصرون مذنبون وأن ما يفرط منهم من الصغائر أسوأ ذنوبهم ، ويجوز أن يكون بمعنى السيئ كقولهم : الناقص والأشج أعدلا بني مروان ، وقرئ " أسوأ " جمع سوء . { ويجزيهم أجرهم } ويعطيهم ثوابهم .
{ بأحسن الذي كانوا يعملون } فتعد لهم محاسن أعمالهم بأحسنها في زيادة الأجر وعظمه لفرط إخلاصهم فيها .
قوله : { ليُكَفِّر الله عنهُم أسْوَأ الَّذِي عَمِلوا } اللام للتعليل وهي تتعلق بفعل محذوف دل عليه قوله : { لهم ما يشاءون عند ربهم ، } والتقدير : وَعَدَهم الله بذلك والتزمَ لهم ذلك ليكفر عنهم أسوأ الذي عملوا . والمعنى : أن الله وعدهم وعداً مطلقاً ليكفر عنهم أسوأ ما عملوه ، أي ما وعدهم بذلك الجزاء إلا لأنهُ أراد أن يكفر عنهم سيئات ما عملوا .
والمقصود من هذا الخبر إعلامهم به ليطمئنوا من عدم مؤاخذتهم على ما فرط منهم من الشرك وأحواله .
و { أسوَأَ } يجوز أن يكون باقياً على ظاهر اسم التفضيل من اقتضاء مفضل عليه ، فالمراد بأَسوأ عملهم هو أعظمهُ سُوءاً وهو الشرك ، سُئل النبي صلى الله عليه وسلم أيُّ الذنب أعظمُ ؟ فقال : " أن تدعو لله نِدًّا وهو خَلَقَك " وإضافته إلى { الذي عملوا } إضافة حقيقية ، ومعنى كون الشرك مما عملوا باعتبار أن الشرك عمل قلبي أو باعتبار ما يستتبعه من السجود للصنم ، وإذا كَفَّر عنهم أسوأَ الذي عملوا كفَّر عنهم ما دونه من سيِّىء أعمالهم بدلالة الفَحوى ، فأفاد أنه يكفر عنهم جميع ما عمِلوا من سيئات ، فإن أريد بذلك ما سبَق قبلَ الإِسلام فالآية تعم كل من صدَّق بالرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن بعد أن كان كافراً فإن الإِسلام يُجبّ ما قبله ، وإن أريد بذلك ما عسى أن يعمله أحَدٌ منهم من الكبَائر في الإسلام كان هذا التكفير خصوصية لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن فضل الصحبة عظيم .
روي عن رسول الله أنه قال : " لاَ تسبُّوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفَق مثلَ أُحد ذهباً ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه " . ويجوز أن يكون { أسوأ } مسلوب المفاضلة وإنما هو مجاز في السوء العظيم على نحو قوله تعالى : { قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه } [ يوسف : 33 ] أي العمل الشديدُ السُوءِ ، وهو الكبائر ، وتكون إضافته بيانية . وفي هذه الآية دلالة على أن رتبة صحبة النبي عظيمة .
وقال رسول الله : الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي فمَن أَحَبَّهم فبِحُبِّي أَحَبَّهم ومن أبغضهم فببغضي أَبغضَهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه . وقد أوصى أيمة سلفنا الصالح أن لا يُذكَر أحد من أصحاب الرسول إلاّ بأحسننِ ذكر ، وبالإمساك عما شجَر بينهم ، وأنهم أحق الناس بأن يُلتمس لهم أحسنُ المخارج فيما جرى بين بعضهم ، ويظنَّ بهم أحسن المذاهب ، ولذلك اتفق السلف على تفسيق ابن الأشتر النخعي ومن لُف لفه من الثوّار الذين جاءوا من مصر إلى المدينة لِخلع عثمان بن عفان ، واتفقوا على أن أصحاب الجمَلَ وأصحاب صِفِّينَ كانوا متنازِعين عن اجتهاد وما دفعهم عليه إلا السعي لِصلاح الإِسلام والذبّ عن جامعته من أن تتسَرب إليها الفُرقة والاختلال ، فإنهم جميعاً قدْوتنا وواسطة تبليغ الشريعة إلينا ، والطعن في بعضهم يفضي إلى مخاوف في الدين ، ولذلك أثبت علماؤنا عدالة جميع أصحاب النبي .
وإظهار اسم الجلالة في موضععِ الاضمار بضمير رَبِّهم } في قوله : { لِيُكفِّرَ الله عَنهم } لزيادة تمكن الإِخبار بتكفير سيئاتهم تمكيناً لاطمئنان نفوسهم بوعد ربهم .
وعطف على الفعل المجعولِ علةٌ أولى فعلٌ هو علة ثانية وهو : { ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون . } وهو المقصود من التعليل للوعد الذي تضمنه قوله : { لهم ما يشاءون عند ربهم } .
والبناء في قوله : { بأحسن الذي كانوا يعملون } للسببية وهي ظرف مستقرّ صفة ل { أجْرَهم } وليست متعلقة بفعل { يجزيهم } ، أي يجزيهم أجراً على أحسن أعمالهم . وإذا كان الجزاء على العمل الأحسن بها الوعد وهو { لهم ما يشاءون عند ربهم ، } فدل على أنهم يُجازَون على ما هو دون الأحسن من محاسن أعمالهم ، بدلالة إيذان وصف « الأحسن » بأن علة الجزاء هي الأحسنية وهي تتضمن أنّ لمعنى الحُسن تأثيراً في الجزاء فإذا كان جزاء أحسن أعمالهم أَنَّ لهم ما يشاءون عند ربهم كان جزاء ما هو دون الأحسن من أعمالهم جزاء دون ذلك بأن يُجَازَوا بزيادة وتنفيل على ما استحقوه على أحسن أعمالهم بزيادة تنعم أو كرامة أو نحو ذلك .
وفي « مفاتيح الغيب » : أن مقاتِلاً كان شيخ المرجئة وهم الذين يقولون لا يضر شيء من المعاصي مع الإِيمان واحتجَّ بهذه الآية فقال : إنها تدل على أن من صدّق الأنبياء والرسل فإنه تعالى يكفّر عنهم أسوأ الذي عملوا . ولا يجوز حمل الأسوأ على الكفر السابق لأن الظاهر من الآية يدل على أن التكفير إنما حصل في حال ما وصفهم الله بالتقوى وهو التقوى من الشرك وإذا كان كذلك وجب أن يكون المراد من الأسوأ الكبائر التي يأتي بها بعد الإِيمان اهـ . ولم يجب عنه في « مفاتيح الغيب » وجوابه : لأن الأسوأ محتمل أن أدلة كثيرة أخرى تعارض الاستدلال بعمومها وفي الجمع بين كلمة { أسْوَأ } وكملة { أحسن } محسِّن الطِّبق .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وجزى هؤلاء المحسنين ربهم بإحسانهم، كي يكفر عنهم أسوأ الذي عملوا في الدنيا من الأعمال، فيما بينهم وبين ربهم، بما كان منهم فيها من توبة وإنابة مما اجترحوا من السيئات فيها.
"ويَجْزِيهُمْ أجْرَهُمْ" يقول: ويثيبهم ثوابهم بأحْسَنِ الّذي كانُوا في الدنيا يَعْمَلُونَ مما يرضى الله عنهم دون أسوئها.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عَمِلوا} قبل الإيمان والتوبة، ووجه آخر: أسوأ الذي عملوا من الصغائر لأنهم يتقون الكبائر.
{ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون} أي يجزيهم بأجر أحسن الأعمال وهي الجنة...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
يثيبهم على طاعاتهم من الفرض والنفل، وهي أحسن أفعالهم؛ لأن المباح وإن كان حسنا لا يستحق به ثواب ولا مدح؛ لأن الثواب والمدح إنما يستحق على الطاعات.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان العاقل من قدم في كل أمر الأهم فالأهم، فميز بين خير الخيرين فأتبعه، وشر الشرين فاجتنبه، كان المحسن من جعل أكبر ذنوبه نصب عينيه وعمل على هدمه فلذلك علل الإحسان بقوله: {ليكفر} أي يستر ستراً عظيماً كأنه قال: المحسنين الذين أحسنوا لهذا الغرض، ويجوز أن يكون التعليل للجزاء، وعبر بالاسم الأعظم لفتاً عن صفة الإحسان إشارة إلى عظيم الاجتهاد في العمل، والإيذان بأنه لا يقدر على الغفران لمن يريد إلا مطلق التصرف فقال: {الله} أي الذي نصب المحسن جلاله وجماله بين عينيه، فاستغرق في صفاته ابتغاء مرضاته، فعبده كأنه يراه، وحقق باعترافهم بالخطأ وقصدهم التكفير لما أهمهم فعلهم له بقوله: {عنهم أسوأ} العمل {الذي عملوا} وتابوا عنه بالندم والإقلاع والعزم على عدم العود وقد علم أنه إذا محي الأكبر انمحى الأصغر؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات، فلله در أهل البصائر والإخلاص في الإعلان والسرائر.
ولما أخبر بالتطهير من اوضار السيئ، أتبعه الإخبار بالتنوير بأنوار الحسن فقال:
{ويجزيهم أجرهم} أي الذي تفضل عليهم بالوعد به...
تيسير التفسير لاطفيش 1332 هـ :
أظهر لفظ الجلالة تفخيما للتكفير، أي تكفيرا عظيما، وقدم التكفير على الجزاء بأحسن ما كانوا يعملون، لأن التخلية قبل التحلية، والمراد أن ذلك جزاء المحسنين لإحسانهم...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فالعدل أن تحسب الحسنات وتحسب السيئات؛ ثم يكون الجزاء.
والفضل هو هذا الذي يتجلى به الله على عباده المتقين هؤلاء أن يكفر عنهم أسوأ أعمالهم فلا يبقى لها حساب في ميزانهم. وأن يجزيهم أجرهم بحساب الأحسن فيما كانوا يعملون، فتزيد حسناتهم وتعلو وترجح في الميزان.
إنه فضل الله يؤتيه من يشاء. كتبه الله على نفسه بوعده. فهو واقع يطمئن إليه المتقون المحسنون.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{ليُكَفِّر الله عنهُم أسْوَأ الَّذِي عَمِلوا} اللام للتعليل وهي تتعلق بفعل محذوف دل عليه قوله: {لهم ما يشاءون عند ربهم} والتقدير: وَعَدَهم الله بذلك والتزمَ لهم ذلك ليكفر عنهم أسوأ الذي عملوا. والمعنى: أن الله وعدهم وعداً مطلقاً ليكفر عنهم أسوأ ما عملوه، أي ما وعدهم بذلك الجزاء؛ إلا لأنهُ أراد أن يكفر عنهم سيئات ما عملوا، والمقصود من هذا الخبر إعلامهم به ليطمئنوا من عدم مؤاخذتهم على ما فرط منهم من الشرك وأحواله.
{أسوَأَ} يجوز أن يكون باقياً على ظاهر اسم التفضيل من اقتضاء مفضل عليه، فالمراد بأَسوأ عملهم هو أعظمهُ سُوءاً وهو الشرك، سُئل النبي صلى الله عليه وسلم أيُّ الذنب أعظمُ؟ فقال:"أن تدعو لله نِدًّا وهو خَلَقَك" وإضافته إلى {الذي عملوا} إضافة حقيقية، ومعنى كون الشرك مما عملوا باعتبار أن الشرك عمل قلبي أو باعتبار ما يستتبعه من السجود للصنم، وإذا كَفَّر عنهم أسوأَ الذي عملوا كفَّر عنهم ما دونه من سيِّئ أعمالهم بدلالة الفَحوى، فأفاد أنه يكفر عنهم جميع ما عمِلوا من سيئات، فإن أريد بذلك ما سبَق قبلَ الإِسلام فالآية تعم كل من صدَّق بالرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن بعد أن كان كافراً فإن الإِسلام يُجبّ ما قبله وإن أريد بذلك ما عسى أن يعمله أحَدٌ منهم من الكبَائر في الإسلام، كان هذا التكفير خصوصية لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن فضل الصحبة عظيم. روي عن رسول الله أنه قال: "لاَ تسبُّوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفَق مثلَ أُحد ذهباً ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه".
ويجوز أن يكون {أسوأ} مسلوب المفاضلة وإنما هو مجاز في السوء العظيم على نحو قوله تعالى: {قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه} [يوسف: 33] أي العمل الشديدُ السُوءِ، وهو الكبائر، وتكون إضافته بيانية. وفي هذه الآية دلالة على أن رتبة صحبة النبي عظيمة...
وعطف على الفعل المجعولِ علةٌ أولى فعلٌ هو علة ثانية وهو: {ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون} وهو المقصود من التعليل للوعد الذي تضمنه قوله:
والبناء في قوله: {بأحسن الذي كانوا يعملون} للسببية وهي ظرف مستقرّ صفة ل
{أجْرَهم} وليست متعلقة بفعل {يجزيهم}، أي يجزيهم أجراً على أحسن أعمالهم. وإذا كان الجزاء على العمل الأحسن بها الوعد وهو {لهم ما يشاءون عند ربهم} فدل على أنهم يُجازَون على ما هو دون الأحسن من محاسن أعمالهم، بدلالة إيذان وصف « الأحسن» بأن علة الجزاء هي الأحسنية، وهي تتضمن أنّ لمعنى الحُسن تأثيراً في الجزاء؛ فإذا كان جزاء أحسن أعمالهم أَنَّ لهم ما يشاءون عند ربهم، كان جزاء ما هو دون الأحسن من أعمالهم جزاء دون ذلك، بأن يُجَازَوا بزيادة وتنفيل على ما استحقوه على أحسن أعمالهم بزيادة تنعم أو كرامة أو نحو ذلك...
وقوله: {لِيُكَـفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُواْ} هذا أيضاً من العطاء الخاص بدرجة الإحسان، فكلمة أسوأ تدلّ على المبالغة وأقل منها السيئة، فعندنا سيئة وأسوأ منها، ولا شكَّ أن السيئة تنصرف إلى الصغائر، والأسوأ تنصرف إلى الكبائر، فكأن الذي دخل في مقام الإحسان ضمن أن مقام الإحسان يكون له مثل مقاصَّة تُسقط عنه ذنوبه، ليست الصغائر فحسب إنما الكبائر أيضاً؛ لأن الذي يُكفّر الأسوأ يُكفِّر السيئة من باب أَوْلَى، هذا لأنك أدخلتَ نفسك في مقام لم يُطلب منك لمجرد المحبة لمن كلفك.
بل هناك عطاء أعظم من ذلك، هو أن المسألة لا تنتهي عند تكفير الذنوب والسيئات، إنما تُبدَّل إلى حسنات، كما قال سبحانه: {فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ..} [الفرقان: 70].
فتأمّل درجات العطاء من الله، والربح في التجارة معه سبحانه.
وبنفس الإكرام والتفضل يجازي اللهُ المحسنين على حسناتهم {وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَـانُواْ يَعْمَلُونَ} [الزمر: 35] فكما غفر لهم الأسوأ يجازيهم أحسن الذي كانوا يعملون، أيْ: بأحسن من عملهم.
هذا العطاء من الله، وهذا التكرم والتفضل منه على عباده شجَّع الشارد من دعوة الإيمان وحَثَّه على العودة إلى حظيرة الإيمان، فليس هناك ما يحول بينه وبين ربه، وليس في الطريق حجر عَثْرة مهما كَثُرَت الذنوب ما دام بابُ التوبة مفتوحاً.
والحق سبحانه حينما شَرَع التوبة للعاصين المذنبين شرعها لينقذهم من شراسة المعصية، فلو قلنا للعاصي: ليس لك توبة ماذا يفعل [ييأس فيتمادى] يعني: يئس من الإصلاح فتمادى في الفساد وبالغ في الضلال، والحق سبحانه لا يريد لعباده ذلك، ففتح لهم بابَ التوبة ليعطفهم إلى دين الله، فلا يزداد الانحرافُ في المجتمع، ولا تستشري فيه المعصيةُ.
بعد أن أخبر رسول الله القومَ بهذا المنهج الإلهي في الجزاء قال المعاندون لرسول الله: نخاف عليك يا محمد أنْ تمسَّك آلهتنا بسوء وقد أغضبتها، سبحان الله يقولون هذا وهم يعلمون أنها حجارة لا تضر ولا تنفع، ولما مسَّهم الضر ما وجدوا غير الله يلجئون إليه؛ ولذلك نزل قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ...}.