فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لِيُكَفِّرَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ أَسۡوَأَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ وَيَجۡزِيَهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (35)

ثم بين سبحانه ما هو الغاية مما لهم عند ربهم فقال : { لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } .

{ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا } فإن ذلك هو أعظم ما يرجونه من دفع الضرر عنهم ، لأن الله سبحانه إذا غفر لهم ما هو الأسوأ من أعمالهم غفر لهم ما دونه بطريقة الأولى ، واللام متعلقة بيشاؤون أو بالمحسنين أو بمحذوف قرأ الجمهور أسوأ على أنه أفعل تفضيل وقيل : ليست للتفضيل بل بمعنى سيء الذي عملوا أو بهذا الاعتبار عم الأسوأ جميع معاصيهم وقرئ أسواء بألف بين الهمزة والواو بزنة أحمال جمع سوء .

ولما ذكر الله سبحانه ما يدل على دفع المضار عنهم ، ذكر ما يدل على جلب أعظم المنافع إليهم فقال :

{ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } إضافة الأحسن إلى ما بعده ليست من إضافة المفضل إلى المفضل عليه بل من إضافة الشيء إلى بعضه قصدا إلى التوضيح من غير اعتبار تفضيل ، قال مقاتل : يجزيهم بالمحاسن من أعمالهم ولا يجزيهم بالمساوئ ، وعم الأحسن جميع حسناتهم ، ولولا هذا التأويل لاقتضى النظم أنه يكفر عنهم أقبح السيئات فقط ويجزيهم على أفضل الحسنات فقط .