البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لِيُكَفِّرَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ أَسۡوَأَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ وَيَجۡزِيَهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (35)

و { ليكفر } : متعلق بالمحسنين ، أي الذين أحسنوا ليكفر ، أو بمحذوف ، أي يسر ذلك لهم ليكفر ، لأن التكفير لا يكون إلا بعد التيسير للخير .

و { أسوأ الذي عملوا } : هو كفر أهل الجاهلية ومعاصي أهل الإسلام .

والتكفير يدل على سقوط العقاب عنهم على أكمل الوجوه ، والجزاء بالأحسن يدل على حصول الثواب على أكمل الوجوه ، فقيل : ذلك يكون إذا صدقوا الأنبياء فيما أتوابه .

وقال مقاتل : يجزيهم بالمحاسن من أعمالهم ، ولا يجزيهم بالمساوي ، وهذا قول المرجئة ، يقولون : لا يضر شيء من المعاصي مع الإيمان .

واحتج بهذه الآية ، وقام الظاهر مقام المضمر في المحسنين ، أي ذلك جزاؤهم ، فنبه بالظاهر على العلة المقتضية لحصول الثواب .

والظاهر أن أسوأ أفعل تفضيل ، وبه قرأ الجمهور : وإذا كفر أسوأ أعمالهم ، فتكفير ما هو دونه أحرى .

وقيل : أفعل ليس للتفضيل ، وهو كقولك : الأشج أعدل بني مروان ، أي عادل ، فكذلك هذا ، أي سيء الذين عملوا .

ويدل على هذا التأويل قراءة ابن مقسم ، وحامد بن يحيى ، عن ابن كثير : أسوأ هنا ؛ وفي حم السجدة بألف بين الواو والهمزة جمع سوء ، ولا تفضيل فيه .

والظاهر أن بأحسن أفعل تفضيل فقيل : لينظر إلى أحسن طاعاته فيجزي الباقي في الجزاء على قياسه ، وإن تخلف عنه بالتقصير .

وقيل : بأحسن ثواب أعمالهم .

وقيل : بأحسن من عملهم ، وهو الجنة ، وهذا ينبو عنه { بأحسن الذي } .

وقال الزمخشري : أما التفضيل فيؤذن بأن الشيء الذي يفرط منهم من الصغائر والزلات المكفرات هو عندهم الأسوأ لاستعظامهم المعصية ، والحسن الذي يعملون هو عند الله الأحسن لحسن إخلاصهم فيه ، فلذلك ذكر سيئهم بالأسوأ ، وحسنهم بالأحسن .

انتهى ، وهو على رأى المعتزلة ، ويكون قد استعمل أسوأ في التفضيل على معتقدهم ، وأحسن في التفضيل على ما هو عند الله ، وذلك توزيع في أفعل التفضيل ، وهو خلاف الظاهر .