اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لِيُكَفِّرَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ أَسۡوَأَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ وَيَجۡزِيَهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (35)

قوله : { لِيُكَفِّرَ الله } في تعلق الجار وجهان :

أحدهما : أنها متعلقة بمحذوف أي يَسَّرَ لهم ذلك ليُكَفَّر .

والثاني : أن تتعلق بنفس الْمُحْسِنِينَ كأنه قيل : الذين أحسنوا ليُكَفّر أي لأجل التكفير{[47466]} .

قوله : { أَسْوَأَ الذي } الظاهر أنه أفعل تفضيل ، وبه قرأ العامة وقيل : ليست للتفضيل بل بمعنى سيءَ الذي عملوا كقولهم : «الأشَجُّ والنَّاقِصُ أَعدلاَ بَنِي مَرْوانَ » أي عَادِلاَهُمْ{[47467]} . ويدل عليه قراءة ابن كثير - في رواية - : أَسْوَاءَ بألف بين الواو والهَمْزَة{[47468]} بزنة أعمال جمع سُوءٍ ، وكذا قرأ في : «حم » السَّجْدَةِ{[47469]} .

فصل

قوله : { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } يدل على حصول الثواب على أكمل الوجوه ، وقوله تعالى : { لِيُكَفِّرَ الله عَنْهُمْ } يدل على سقوط العقاب عنهم على أكمل الوجوه{[47470]} ومعنى تكفيرها أي يسترها عليهم بالمغفرة ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون . وقال مقاتل : يجزيهم بالمحاسن من أعمالهم ولا يجزيهم بالمَسَاوِئِ{[47471]} ، قال ابن الخطيب : واعلم أن مقاتلاً كان شيخ المُرْجِئَة وهم الذين يقولون : لا يضرّ شيءٌ من المعاصي مع الإيمان كما لا ينفع شيءٌ من الطاعات مع الكفر . واحتج بهذه الآية فقال : إنها تدلُّ على أن من صدق الأنبياء والرسل فإنه تعالى يكفر عنهم أسوأ الذي عملوا ولا يجوز حمل هذا الأسوأ على الكفر السابق لأن ظاهر الآية أن التكليِف{[47472]} إنما حصل في حال وصفهم بالتَّقْوَى{[47473]} ، ( وهو التقوى ){[47474]} من الشرك وإذا كان كذلك وجب أن يكون المراد منه الكبائر التي يأتي بها بعد الإيمان فتكون هذه الآية تَنْصِيصاً على أنه تعالى يكفر عنهم بعد إيمانهم ( أَسْوأَ ){[47475]} ما يأتون به وذلك هو الكبائر .


[47466]:قال بهذين الوجهين السمين في الدر 4/653 وأبو حيان في بحره 7/428.
[47467]:السابقين أيضا. والأشج هو عمر بن عبد العزيز وسمي كذلك لشجة من حافر دابة كانت في جبهته والناقص هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك وسمي كذلك لأنه نقص من رواتب الجند. والشاهد في "أعدلا" فإنه بمعنى العادلين ولم يقصد به التفضيل ولو قصد به التفضيل لكان موحدا. وانظر: شرح المفصل لابن يعيش 3/6.
[47468]:ذكرها صاحب المختصر 132 والبحر المحيط 7/429 ولم ترو عنه في الكتب المتواترة، وانظرها في الكشاف بدون نسبة 3/398.
[47469]:عند قوله تعالى: {فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون} [فصلت: 27] وانظر الدر المصون 4/654.
[47470]:قاله الرازي في تفسيره 26/281، 280.
[47471]:البغوي في معالم التنزيل 6/76.
[47472]:في الرازي: يدل على أن التكفير.
[47473]:وفيه: بالتبري.
[47474]:تكملة من الرازي.
[47475]:سقط من أ وانظر: تفسير الإمام الفخر الرازي 26/281.