المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَيۡلَكُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗاۚ وَلَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلصَّـٰبِرُونَ} (80)

80- أما الذين رزقهم الله العلم النافع فلم يفتنهم ذلك ، وتوجهوا بالنصح للمفتونين قائلين لهم : لا تتمنوا هذا ولا تنصرفوا عن الدين ، فإن ما عند الله من ثواب ونعيم أزكى لمن آمن به وعمل صالحاً ، وتلك نصيحة حقة لا يتقبلها إلا من يجاهدون أنفسهم ويصبرون على الطاعة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَيۡلَكُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗاۚ وَلَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلصَّـٰبِرُونَ} (80)

{ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } الذين عرفوا حقائق الأشياء ، ونظروا إلى باطن الدنيا ، حين نظر{[615]}  أولئك إلى ظاهرها : { وَيْلَكُمْ } متوجعين مما تمنوا لأنفسهم ، راثين لحالهم ، منكرين لمقالهم : { ثَوَابُ اللَّهِ } العاجل ، من لذة العبادة ومحبته ، والإنابة إليه ، والإقبال عليه . والآجل من الجنة وما فيها ، مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين { خَيْرٌ } من هذا الذي تمنيتم ورغبتم فيه ، فهذه حقيقة الأمر ، ولكن ما كل من يعلم ذلك يؤثر الأعلى على الأدنى ، فما يُلَقَّى ذلك ويوفق له { إِلَّا الصَّابِرُونَ } الذين حبسوا أنفسهم على طاعة اللّه ، وعن معصيته ، وعلى أقداره المؤلمة ، وصبروا على جواذب الدنيا وشهواتها ، أن تشغلهم عن ربهم ، وأن تحول بينهم وبين ما خلقوا له ، فهؤلاء الذين يؤثرون ثواب اللّه على الدنيا الفانية .


[615]:- كذا في ب، وفي أ: نظروا.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَيۡلَكُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗاۚ وَلَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلصَّـٰبِرُونَ} (80)

76

فأما المتصلون بالله فلهم ميزان آخر يقيم الحياة ، وفي نفوسهم قيم أخرى غير قيم المال والزينة والمتاع . وهم أعلى نفسا ، وأكبر قلبا من أن يتهاووا ويتصاغروا أمام قيم الأرض جميعا . ولهم من استعلائهم بالله عاصم من التخاذل أمام جاه العباد . وهؤلاء هم ( الذين أوتوا العلم ) . العلم الصحيح الذي يقومون به الحياة حق التقويم :

( وقال الذين أوتوا العلم : ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ، ولا يلقاها إلا الصابرون ) .

ثواب الله خير من هذه الزينة ، وما عند الله خير مما عند قارون . والشعور على هذا النحو درجة رفيعة لا يلقاها إلى الصابرون . . الصابرون على معايير الناس ومقاييسهم . الصابرون على فتنة الحياة وإغرائها . الصابرون على الحرمان مما يتشهاه الكثيرون . وعندما يعلم الله منهم الصبر كذلك يرفعهم إلى تلك الدرجة . درجة الاستعلاء على كل ما في الأرض ، والتطلع إلى ثواب الله في رضى وثقة واطمئنان .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَيۡلَكُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗاۚ وَلَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلصَّـٰبِرُونَ} (80)

فلما سمع مقالتهم أهل العلم النافع قالوا لهم : { وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا }أي : جزاء الله لعباده المؤمنين الصالحين في الدار الآخرة خير مما ترون .

[ كما في الحديث الصحيح : يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، واقرؤوا إن شئتم : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }{[22414]} [ السجدة : 17 ] {[22415]} .

وقوله : { وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ } : قال السدي : وما يلقى الجنة{[22416]} إلا الصابرون . كأنه جعل ذلك من تمام كلام الذين أوتوا العلم . قال ابن جرير : وما يلقى{[22417]} هذه الكلمة إلا الصابرون عن محبة الدنيا ، الراغبون في الدار الآخرة . وكأنه جعل ذلك مقطوعًا من كلام أولئك ، وجعله من كلام الله عز وجل وإخباره بذلك .


[22414]:- زيادة من ت ، ف ، أ.
[22415]:- صحيح مسلم برقم (2824).
[22416]:- في أ : "وما يلقاها أي الجنة".
[22417]:- في أ : "وما يلقاها".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَيۡلَكُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗاۚ وَلَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلصَّـٰبِرُونَ} (80)

{ وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم وَيْلَكُمْ ثَوَابُ الله خَيْرٌ لِّمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صالحا }

عطف على جملة { قال الذين يريدون الحياة الدنيا } [ القصص : 79 ] فهي مشاركة لها في معناها لأن ما تشتمل عليه خرجة قارون ما تدل عليه ملامحه من فتنة ببهرجته وبزته دالة على قلة اعتداده بثواب الله وعلى تمحضه للإقبال على لذائذ الدنيا ومفاخرها الباطلة ففي كلام { الذين أوتوا العلم } تنبيه على ذلك وإزالة لما تستجلبه حالة قارون من نفوس المبتلين بزخارف الدنيا .

و ( ويل ) اسم للهلاك وسوء الحال ، وتقدم الكلام عليه عند قوله تعالى { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } في سورة البقرة ( 79 ) . ويستعمل لفظ ( ويل ) في التعجب المشوب بالزجر ، فليس { الذين أوتوا العلم } داعين بالويل على الذين يريدون الحياة الدنيا لأن المناسب لمقام الموعظة لين الخطاب ليكون أعون على الاتعاظ ، ولكنهم يتعجبون من تعلق نفوس أولئك بزينة الحياة الدنيا واغتباطهم بحال قارون دون اهتمام بثواب الله الذي يستطيعون تحصيله بالإقبال على العمل بالدين والعمل النافع وهم يعلمون أن قارون غير متخلق بالفضائل الدينية .

وتقديم المسند إليه في قوله { ثواب الله خير } ليتمكن الخبر في ذهن السامعين لأن الابتداء بما يدل على الثواب المضاف إلى أوسع الكرماء كرماً مما تستشرف إليه النفس .

وعدل عن الإضمار إلى الموصولية في قوله { لمن آمن وعمل صالحاً } دون : خير لكم ، لما في الإظهار من الإشارة إلى أن ثواب الله إنما يناله المؤمنون الذين يعملون الصالحات وأنه على حسب صحة الإيمان ووفرة العمل ، مع ما في الموصول من الشمول لمن كان منهم كذلك ولغيرهم ممن لم يحضر ذلك المقاموَعَمِلَ صالحا وَلاَ يُلَقَّاهَآ .

{ وما يلاقاها إلا الصابرون }

يجوز أن تكون الواو للعطف فهي من كلام { الذين أوتوا العلم } ، أمروا الذين فتنهم حال قارون بأن يصبروا على حرمانهم مما فيه قارون .

ويجوز أن تكون الواو اعتراضية والجملة معترضة من جانب الله تعالى علّم بها عباده فضيلة الصبر .

وضمير { يلقاها } عائد إلى مفهوم من الكلام يجري على التأنيث ، أي الخصلة وهي ثواب الله أو السيرة القويمة ، وهي سيرة الإيمان والعمل الصالح .

والتلقية : جعل الشيء لاقياً ، أي مجتمعاً مع شيء آخر . وتقدم عند قوله تعالى { ويلقون فيها تحية وسلاماً } في سورة الفرقان ( 75 ) . وهو مستعمل في الإعطاء على طريقة الاستعارة ، أي لا يعطى تلك الخصلة أو السيرة إلا الصابرون ؛ لأن الصبر وسيلة لنوال الأمور العظيمة لاحتياج السعي لها إلى تجلد لما يعرض في خلاله من مصاعب وعقبات كأداء فإن لم يكن المرء متخلقاً بالصبر خارت عزيمته فترك ذاك لذاك .