[ الآية 80 ] وقوله تعالى : { وقال الذين أوتوا العلم } أي أوتوا منافع العلم ، ربما [ يؤتى أحد العلم ]{[15577]} ولا يؤتى من الانتفاع له به ما أوتي هؤلاء حين{[15578]} قالوا لأولئك { ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا } لم يكن من أولئك إلا التمني أنه يؤتوا مثل ما أوتي قارون . ثم نهاهم الذين أوتوا منافع العلم والانتفاع به عن ذلك التمني . فدل ذلك أن التمني لا يسع في ما لا يسع الاشتغال به والطلب حين{[15579]} قالوا لهم : { ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا } .
[ وقوله تعالى ]{[15580]} : { ولا يلقّاها إلا الصابرون } كيف ذكره بالتأنيث ؟ وإنما تقدم له ذكر { ثواب الله خير } فألا قال : وما يلقاه{[15581]} ؟ اختلف فيه .
قال بعضهم : { ولا يلقاها } كناية عن تلك المقالة التي كانت من أولئك الذين أوتوا العلم لأولئك الذين يريدون الحياة الدنيا ، أي لا يلقى تلك المقالة التي قالوها لأولئك إلا الصابرون .
وقال بعضهم : لا ، ولكن ذلك كناية عن الأعمال [ أي وما يلقى تلك الأعمال ولا يوفق لها ]{[15582]} إلا الصابرون .
قال أبو عوسجة والقتبي : { ولا يلقاها } أي لا يوفق لها ، ويقال : لا يرزق [ إلا ]{[15583]} الصابرون .
[ وقوله تعالى ]{[15584]} : { الصابرون } يحتمل المؤمنين أنفسهم{[15585]} كقوله تعالى : { إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } [ إبراهيم : 5 و . . . ] وقوله : { إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات } [ هود : 11 ] أي آمنوا .
ويحتمل { الصابرون } الذين صبروا أنفسهم ، وحبسوها على أداء ما افترض الله عليهم ولم يؤتوا أنفسهم شهواتها{[15586]} وهواها ، والله أعلم .
ثم كان في قوم موسى خصال ثلاث ، لم تكن تلك ، ولا مثلها في غيره من الأمم :
أحدها : ما ذكر من صلابة أولي العلم ويقينهم وطمأنينتهم في ما وعدوا في الآخرة من العذاب وصبرهم على أداء ما افترض الله عليهم وحبسهم أنفسهم عن مناهم وشهواتهم وصلابتهم في الدين وما وعظوا قارون حين{[15587]} قالوا له : { وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة } إلى قوله : { إن الله لا يحب المفسدين } [ القصص : 76 و77 ] وهو كان ملكا يومئذ [ وما ]{[15588]} قالوا لأولئك الذين يريدون الحياة الدنيا { ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا } .
والثاني : ما ذكر سحرة فرعون حين أوعدهم بالقطع والصلب والقتل بإيمانهم الذين آمنوا ، فقالوا : { لا ضير لنا إلى ربنا منقلبون } [ الشعراء : 50 ] وقالوا : { فاقض ما أنت قاض } [ طه : 72 ] وأمثال ذلك مما لم ينالوا حلول ما أوعدهم ، وخوفهم من أنواع العذاب .
والثالث : ما ذكر من الذين كان يكتم إيمانه حين{[15589]} قال : { وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم } [ غافر : 28 ] وإنما ظهر ذلك حين قال { فرعون ذروني أقتل موسى وليدع به } [ غافر : 26 ] كأنه هم أن يقتله . ألا ترى أن ذلك الرجل المؤمن الذي يكتم إيمانه قال لهم { أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله } ؟ لم يبال بهلاك نفسه بإظهاره الإيمان بعد أن أعان نبي الله موسى ، ونفع له بما [ قال ، واستقبل فرعون وقومه بما استقبل ]{[15590]} .
فهذه خصال لم تذكر عن قوم قط ، من سوى قوم موسى مثلها . ولذلك وصفهم ونعتهم بفضل الهداية والعدالة ، وهو ما قال تعالى : { ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } .
وهكذا الواجب على كل مؤمن إذا أريد منه أخذ الإيمان ، أو خاف على دينه أن يذهب به ، أو أن يدخل فيه النقصان ألا يبدل ذلك ، وإن خاف على نفسه تلفها وهلاكها وتعذيبها بأشد ما يكون من العذاب .
ألا ترى أن الله مدح أصحاب الأخدود بما احتملوا أشد العذاب وأسوأ القتل ، ولم يتركوا الإيمان ، ولم يعطوا لأولئك الكفرة ما أرادوا منهم ؟ فهكذا الاختيار{[15591]} على كل مسلم أن يختار ما ختار أولئك .
وهكذا الواجب على كل من يأتي الأمراء والسلاطين ، ويحضر مجالسهم من العلماء أن يعظوهم ، ويأمروهم بكل ما يؤتى ، وينهوهم عن كل محظور حرام ، ويدلوهم على كل خير ما هو طاعة لله كما فعل قوم موسى{[15592]} بقارون ، وألا يحضروا{[15593]} مجالسهم ، ولا يأتوهم{[15594]} طائعين . فإن فعلوا فإنهم يكونون شركاءهم .
وذكر عن بعض السلف أنه قال في عيسى وقارون عبرة لمن اعتبر أن عيسى ، صلوات الله عليه ، زهد في الدنيا زهدا حتى لم يتخذ لنفسه مسكنا يسكن [ فيه ]{[15595]} ولا مقرا يقر فيه ، ولا اتخذ لنفسه ما يتعيش به ، ولا اشتغل بشيء منها ، فرفعه الله إلى السماء ، فجعل عيشه ومقره فيها في كرامته وجواره ، وقارون{[15596]} كان يرغب في هذه الدنيا رغبة [ عظيمة ] {[15597]} وجهد في طلبها طاقته ووسعه ، وركن إليها ركونا حتى خسفه الله في الأرض ، وأدخله فيها مع كنوزه وأتباعه ، فيكون فيها إلى يوم القيامة .
ففي ذلك عبرة وآية لكل راغب وزاهد ؛ فيرغب الزاهد [ في الزهد ] {[15598]} فيها ، وينزجر الراغب عن الرغبة فيها ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.