{ الَّذِي أَحَلَّنَا } أي : أنزلنا نزول حلول واستقرار ، لا نزول معبر واعتبار . { دَارَ الْمُقَامَةِ } أي : الدار التي تدوم فيها الإقامة ، والدار التي يرغب في المقام فيها ، لكثرة خيراتها ، وتوالي مسراتها ، وزوال كدوراتها ، وذلك الإحلال { مِنْ فَضْلِهِ } علينا وكرمه ، لا بأعمالنا ، فلولا فضله ، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه .
{ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } أي : لا تعب في الأبدان ولا في القلب والقوى ، ولا في كثرة التمتع ، وهذا يدل على أن اللّه تعالى يجعل أبدانهم في نشأة كاملة ، ويهيئ لهم من أسباب الراحة على الدوام ، ما يكونون بهذه الصفة ، بحيث لا يمسهم نصب ولا لغوب ، ولا هم ولا حزن .
ويدل على أنهم لا ينامون في الجنة ، لأن النوم فائدته زوال التعب ، وحصول الراحة به ، وأهل الجنة بخلاف ذلك ، ولأنه موت أصغر ، وأهل الجنة لا يموتون ، جعلنا اللّه منهم ، بمنه وكرمه .
( الذي أحلَّنا دار المقامة ) . . للإقامة والاستقرار ( من فضله )فما لنا عليه من حق ، إنما هو الفضل يعطيه من يشاء . ( لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ) . . بل يجتمع لنا فيها النعيم والراحة والاطمئنان .
فالجو كله يسر وراحة ونعيم . والألفاظ مختارة لتتسق بجرسها وإيقاعها مع هذا الجو الحاني الرحيم . حتى " الحزن " لا يتكأ عليه بالسكون الجازم . بل يقال " الحزَن " بالتسهيل والتخفيف . والجنة ( دار المقامة ) . والنصب واللغوب لا يمسانهم مجرد مساس . والإيقاع الموسيقي للتعبير كله هادىء ناعم رتيب .
{ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ } : يقولون : الذي أعطانا هذه المنزلة ، وهذا المقام من فضله وَمَنِّه{[24581]} ورحمته ، لم تكن أعمالنا تساوي ذلك . كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة " . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " ولا أنا ، إلا أن يَتَغَمَّدَنِي الله برحمة منه وفضل " . {[24582]}
{ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } أي : لا يمسنا فيها عناء ولا إعياء .
والنصَب واللغوب : كل منهما يستعمل في التعب ، وكأن المراد ينفي هذا وهذا عنهم أنهم لا تعب على أبدانهم ولا أرواحهم{[24583]} ، والله أعلم . فمن ذلك أنهم كانوا يُدْئبُون أنفسهم في العبادة في الدنيا ، فسقط عنهم التكليف بدخولها ، وصاروا في راحة دائمة مستمرة ، قال الله تعالى : { كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ } [ الحاقة : 24 ] .
{ المقامة } الإقامة ، وهو من أقام ، و «المَقامة » بفتح الميم القيام وهو من قام ، و { دار المقامة } الجنة ، و «النصب » تعب البدن ، و «اللغوب » تعب النفس اللازم عن تعب البدن ، وقال قتادة «اللغوب » الوجع ، وقرأ الجمهور «لُغوب » بضم اللام ، وقرأ علي بن أبي طالب والسلمي «لَغوب » بفتح اللام أي شيء يعيينا ، ويحتمل أن يكون مصدراً كالولوع والوضوء{[9737]} .
و{ المُقَامة } مصدر ميمي من أقام بالمكان إذا قطنه . والمراد : دار الخلود . وانتصب { دار المقامة } على المفعول الثاني ل { أحلنا } أي أسكننا .
و { مِن } في قوله : { من فضله } ابتدائية في موضع الحال من { دار المقامة } .
والفضل : العطاء ، وهو أخُو التفضل في أنه عطاء منّة وكرم .
ومن فضل الله أن جعل لهم الجنة جزاء على الأعمال الصالحة لأنه لو شاء لما جعل للصالحات عطاء ولكان جزاؤها مجرد السلامة من العقاب ، وكان أمر مَن لم يستحق الخلود في النار كفافاً ، أي لا عقاب ولا ثواب فيبقى كالسوائم ، وإنما أرادوا من هذا تمام الشكر والمبالغة في التأدب .
وجملة { لا يمسنا فيها نصب } حال ثانية .
والمسّ : الإِصابة في ابتداء أمرها ، والنصب : التعب من نحو شدّة حر وشدة برد . واللغوب : الإِعياء من جراء عمل أو جري .
وإعادة الفعل المنفي في قوله : { ولا يمسنا فيها لغوب } لتأكيد انتفاء المسّ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.