{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ }
أي : إذا نهي هؤلاء المنافقون عن الإفساد في الأرض ، وهو العمل بالكفر والمعاصي ، ومنه إظهار سرائر المؤمنين لعدوهم وموالاتهم للكافرين { قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } فجمعوا بين العمل بالفساد في الأرض ، وإظهارهم أنه ليس بإفساد بل هو إصلاح ، قلبا للحقائق ، وجمعا بين فعل الباطل واعتقاده حقا ، وهذا أعظم جناية ممن يعمل بالمعصية ، مع اعتقاد أنها معصية{[43]} فهذا أقرب للسلامة ، وأرجى لرجوعه .
وصفة أخرى من صفاتهم - وبخاصة الكبراء منهم الذين كان لهم في أول العهد بالهجرة مقام في قومهم ورياسة وسلطان كعبد الله بن أبي بن سلول - صفة العناد وتبرير ما يأتون من الفساد ، والتبجح حين يأمنون أن يؤخذوا بما يفعلون :
( وإذا قيل لهم : لا تفسدوا في الأرض ، قالوا : إنما نحن مصلحون . ألا إنهم هم المفسدون ، ولكن لا يشعرون ) . .
إنهم لا يقفون عند حد الكذب والخداع ، بل يضيفون اليهما السفه والادعاء : ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض ) . . لم يكتفوا بأن ينفوا عن أنفسهم الإفساد ، بل تجاوزوه إلى التبجح والتبرير : ( قالوا : إنما نحن مصلحون ) . .
والذين يفسدون أشنع الفساد ، ويقولون : إنهم مصلحون ، كثيرون جدا في كل زمان . يقولونها لأن الموازين مختلة في أيديهم . ومتى اختل ميزان الإخلاص والتجرد في النفس اختلت سائر الموازين والقيم . والذين لا يخلصون سريرتهم لله يتعذر أن يشعروا بفساد أعمالهم ، لأن ميزان الخير والشر والصلاح والفساد في نفوسهم يتأرجح مع الأهواء الذاتية ، ولا يثوب إلى قاعدة ربانية . .
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } قال السدي في تفسيره ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مُرّة الطيب الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن أناس{[1270]} من أصحاب رسول الله{[1271]} صلى الله عليه وسلم : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } أما لا تفسدوا في الأرض ، قال : الفساد هو الكفر ، والعمل بالمعصية .
وقال أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ } قال : يعني : لا تعصُوا في الأرض ، وكان فسادهم ذلك معصية الله ؛ لأنه من عصى الله في الأرض أو أمر بمعصية الله ، فقد أفسد في الأرض ؛ لأن صلاح الأرض والسماء بالطَّاعة .
وهكذا قال الربيع بن أنس ، وقتادة .
وقال ابن جُرَيْج ، عن مجاهد : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ } قال : إذا ركبوا معصية الله ، فقيل لهم : لا تفعلوا كذا وكذا ، قالوا : إنما نحن على الهدى ، مصلحون .
وقد قال وَكِيع ، وعيسى بن يونس ، وعثَّام بن علي ، عن الأعمش ، عن المِنْهَال بن عمرو ، عن عباد بن عبد الله الأسدي ، عن سلمان الفارسي : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } قال سلمان : لم يجئ أهل هذه الآية بعد .
وقال ابن جرير : حدثني أحمد بن عثمان بن حَكيم ، حدثنا عبد الرحمن بن شَريك ، حدثني أبي ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب وغيره ، عن سلمان ، في هذه الآية ، قال : ما جاء هؤلاء بَعْدُ{[1272]} .
قال ابن جرير : يحتمل أن سلمان أراد بهذا أن الذين يأتون بهذه الصفة أعظم فسادًا من الذين كانوا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، لا أنه عنى أنه لم يمض ممن تلك صفته أحد{[1273]} .
قال ابن جرير : فأهل النفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربهم ، وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه ، وتضييعهم فرائضه ، وشكّهم في دينه الذي لا يُقْبَلُ من أحد عمل إلا بالتصديق به والإيقان بحقيقته ، وكذبهم المؤمنين بدعواهم غير ما هم عليه مقيمون من الشك والريب ، ومظاهرتهم أهل التكذيب بالله وكتبه ورسله على أولياء الله ، إذا وجدوا إلى ذلك سبيلا . فذلك إفساد المنافقين في الأرض ، وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها{[1274]} .
وهذا الذي قاله حسن ، فإن من الفساد في الأرض اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء ، كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } [ الأنفال : 73 ] فقطع الله الموالاة بين المؤمنين والكافرين كما قال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا } [ النساء : 144 ] ثم قال : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا } [ النساء : 145 ] فالمنافق لما كان ظاهره الإيمان اشتبه أمره على المؤمنين ، فكأن الفساد من جهة المنافق حاصل ؛ لأنه هو الذي غَرّ المؤمنين بقوله الذي لا حقيقة له ، ووالى الكافرين على المؤمنين ، ولو أنه استمر على حالته{[1275]} الأولى لكان شرّه أخف ، ولو أخلص العمل لله وتطابق قوله وعمله لأفلح وأنجح ؛ ولهذا قال تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } أي : نريد أن نداري الفريقين من المؤمنين والكافرين ، ونصطلح مع هؤلاء وهؤلاء ، كما قال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } أي : إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ قَالُوَاْ إِنّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ }
اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية ، فروي عن سلمان الفارسي أنه كان يقول : لم يجيءْ هؤلاء بعد .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثام بن عليّ ، قال : حدثنا الأعمش ، قال : سمعت المنهال بن عمرو يحدّث عن عباد بن عبد الله ، عن سلمان ، قال : ما جاء هؤلاء بعد ، الذين إذَا قيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا في الأرْضِ قالُوا إنّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ .
حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن شريك ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني الأعمش ، عن زيد بن وهب وغيره ، عن سلمان أنه قال في هذه الآية : وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا في الأرْضِ قالُوا إنّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ قال ما جاء هؤلاء بعد . وقال آخرون بما :
حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا في الأرْض قالُوا إنّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ هم المنافقون . أما لا تفسدوا في الأرض فإن الفساد هو الكفر والعمل بالمعصية .
وحدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا في الأرْضِ يقول : لا تعصوا في الأرض . قال : فكان فسادهم على أنفسهم ذلك معصية الله جل ثناؤه ، لأن من عصى الله في الأرض أو أمر بمعصيته فقد أفسد في الأرض ، لأن إصلاح الأرض والسماء بالطاعة .
وأولى التأويلين بالآية تأويل من قال : إن قول الله تبارك اسمه : وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا في الأرْضِ قالُوا إنّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ نزلت في المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان معنيا بها كل من كان بمثل صفتهم من المنافقين بعدهم إلى يوم القيامة . وقد يحتمل قول سلمان عند تلاوة هذه الآية : «ما جاء هؤلاء بعد » أن يكون قاله بعد فناء الذين كانوا بهذه الصفة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرا منه عمن جاء منهم بعدهم ولما يجيء بعد ، لا أنه عنى أنه لم يمض ممن هذه صفته أحد .
وإنما قلنا أولى التأويلين بالآية ما ذكرنا ، لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن ذلك صفة من كان بين ظهراني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين ، وأن هذه الاَيات فيهم نزلت . والتأويل المجمع عليه أولى بتأويل القرآن من قول لا دلالة على صحته من أصل ولا نظير . والإفساد في الأرض : العمل فيها بما نهى الله جل ثناؤه عنه ، وتضييع ما أمر الله بحفظه . فذلك جملة الإفساد ، كما قال جل ثناؤه في كتابه مخبرا عن قيل ملائكته : { قالُوا أَتَجْعَلَ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ } يعنون بذلك : أتجعل في الأرض من يعصيك ويخالف أمرك ؟ فكذلك صفة أهل النفاق مفسدون في الأرض بمعصِيتهم فيها ربهم ، وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه ، وتضييعهم فرائضه وشكهم في دين الله الذي لا يقبل من أحد عملاً إلا بالتصديق به والإيقان بحقّيته ، وكذبهم المؤمنين بدعواهم غير ما هم عليه مقيمون من الشك والريب ، وبمظاهرتهم أهل التكذيب بالله وكتبه ورسله على أولياء الله إذا وجدوا إلى ذلك سبيلاً .
فذلك إفساد المنافقين في أرض الله ، وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها . فلم يسقط الله جل ثناؤه عنهم عقوبته ، ولا خفف عنهم أليم ما أعدّ من عقابه لأهل معصيته بحسبانهم أنهم فيما أتوا من معاصي الله مصلحون ، بل أوجب لهم الدرك الأسفل من ناره والأليمَ من عذابه والعارَ العاجل بسبّ الله إياهم وشتمه لهم ، فقال تعالى : أَلاّ إنّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ وذلك من حكم الله جل ثناؤه فيهم أدلّ الدليل على تكذيبه تعالى قول القائلين : إن عقوبات الله لا يستحقها إلا المعاند ربه فيما لزمه من حقوقه وفروضه بعد علمه وثبوت الحجة عليه بمعرفته بلزوم ذلك إياه .
القول في تأويل قوله تعالى : قالُوا إنّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ .
وتأويل ذلك كالذي قاله ابن عباس ، الذي :
حدثنا به محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قوله : إنّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أي قالوا : إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب . وخالفه في ذلك غيره .
حدثنا القاسم بن الحسن ، قال : حدثنا الحسين بن داود ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قال : إذا ركبوا معصية الله ، فقيل لهم : لا تفعلوا كذا وكذا ، قالوا : إنما نحن على الهدى مصلحون .
قال أبو جعفر : وأيّ الأمرين كان منهم في ذلك أعني في دعواهم أنهم مصلحون فهم لا شكّ أنهم كانوا يحسبون أنهم فيما أتوا من ذلك مصلحون . فسواء بين اليهود والمسلمين كانت دعواهم الإصلاح أو في أديانهم ، وفيما ركبوا من معصية الله ، وكذبهم المؤمنين فيما أظهروا لهم من القول وهم لغير ما أظهروا مستبطنون ، لأنهم كانوا في جميع ذلك من أمرهم عند أنفسهم محسنين ، وهم عند الله مسيئون ، ولأمر الله مخالفون لأن الله جل ثناؤه قد كان فرض عليهم عداوة اليهود وحربهم مع المسلمين ، وألزمهم التصديق برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند الله كالذي ألزم من ذلك المؤمنين ، فكان لقاؤهم اليهود على وجه الولاية منهم لهم ، وشكهم في نبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما جاء به أنه من عند الله أعظم الفساد ، وإن كان ذلك كان عندهم إصلاحا وهدى : في أديانهم ، أو فيما بين المؤمنين واليهود ، فقال جل ثناؤه فيهم : ألا إنّهُمُ هُمْ المُفْسِدُونَ دون الذين ينهونهم من المؤمنين عن الإفساد في الأرض ولكن لا يشعرون .
{ وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض } عطف على { يكذبون } أو { يقول } . وما روي عن سلمان رضي الله عنه أن أهل هذه الآية لم يأتوا بعد فلعله أراد به أن أهلها ليس الذين كانوا فقط ، بل وسيكون من بعد من حاله حالهم لأن الآية متصلة بما قبلها بالضمير الذي فيها . والفساد : خروج الشيء عن الاعتدال . والصلاح ضده وكلاهما يعمان كل ضار ونافع .
وكان من فسادهم في الأرض هيج الحروب والفتن بمخادعة المسلمين ، وممالأة الكفار عليهم بإفشاء الأسرار إليهم ، فإن ذلك يؤدي إلى فساد ما في الأرض من الناس والدواب والحرث .
ومنه إظهار المعاصي والإهانة بالدين فإن الإخلال بالشرائع والإعراض عنها مما يوجب الهرج والمرج ويخل بنظام العالم . والقائل هو الله تعالى ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو بعض المؤمنين . وقرأ الكسائي وهشام ( قيل ) بإشمام الضم الأول .
{ قالوا إنما نحن مصلحون } جواب ل{ إذا } رد للناصح على سبيل المبالغة ، والمعنى أنه لا يصح مخاطبتنا بذلك ، فإن شأننا ليس إلا الإصلاح ، وإن حالنا متمحضة عن شوائب الفساد ، لأن إنما تفيد قصر ما دخلت عليه على ما بعده . مثل : إنما زيد منطلق ، وإنما ينطلق زيد ، وإنما قالوا ذلك : لأنهم تصوروا الفساد بصورة الصلاح لما في قلوبهم من المرض كما قال الله تعالى { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا } .
َوَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ( 11 )
و { إذا } ظرف زمان ، وحكي عن المبرد أنها في قولك في المفاجأة خرجت فإذا زيد ظرف مكان ، لأنها تضمنت جثة ، وهذا مردود لأن المعنى «خرجت فإذا حضور زيد » فإنما تضمنت المصدر ، كما يقتضيه سائر ظروف الزمان ، ومنه قولهم : «اليوم خمر ، وغداً أمر » فمعناه وجود خمر ووقوع أمر ، والعامل في { إذا } في هذه الآية { قالوا } . وأصل { قيل } قول نقلت حركة الواو إلى القاف فقلبت ياء لانكسار ما قبلها .
وقرأ الكسائي : «قُيل وغُيض وسُيء وسُيئت وحُيل وسُيق وجُيء » بضم أوائل ذلك كله . وروي مثل ذلك عن ابن عامر . وروي أيضاً عنه أنه كسر «غِيض وقِيل وجِيء » ، الغين القاف والجيم حيث وقع من القرآن وضم نافع من ذلك كله حرفين «سُيء وسُيئت » وكسر ما بقي . وكان ابن كثير وعاصم وأبوعمرو وحمزة يكسرون أوائل هذه الحروف كلها ، والضمير في { لهم } هو عائد إلى المنافقين المشار إليهم قبل .
وقال بعض الناس : «الإشارة هنا هي إلى منافقي اليهود » .
وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه في تفسير هذه الآية : لم يجىء( {[235]} ) هؤلاء بعد ومعنى قوله : لم ينقرضوا بل هم يجيئون في كل زمان .
و { لا تفسدوا في الأرض } معناه بالكفر وموالاة الكفرة ، و { نحن } اسم من ضمائر المرفوع مبني على الضم ، إذ كان اسماً قوياً يقع للواحد المعظم والاثنين والجماعة ، فأعطي أسنى الحركات .
وأيضاً فلما كان في الأغلب ضمير جماعة ، وضمير الجماعة في الأسماء الظاهرة الواو أعطي الضمة إذ هي أخت الواو ، ولقول المنافقين : { إنما نحن مصلحون } ثلاث تأويلات :
أحدها : جحد أنهم مفسدون وهذا استمرار منهم على النفاق .
والثاني : أن يقروا بموالاة الكفار ويدعون أنها صلاح من حيث هم قرابة توصل .
والثالث : أنهم مصلحون بن الكفار والمؤمنين ، فلذلك يداخلون الكفار .