فحين اجتمعوا من جميع البلدان ، وعظهم موسى عليه السلام ، وأقام عليهم الحجة ، وقال لهم : { وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ } أي : لا تنصروا ما أنتم عليه من الباطل بسحركم وتغالبون الحق ، وتفترون على الله الكذب ، فيستأصلكم بعذاب من عنده ، ويخيب سعيكم وافتراؤكم ، فلا تدركون ما تطلبون من النصر والجاه عند فرعون وملائه ، ولا تسلمون من عذاب الله .
{ قَالَ{[19410]} لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } أي : لا تُخَيّلُوا للناس بأعمالكم إيجاد أشياء لا حقائق لها ، وأنها مخلوقة ، وليست مخلوقة ، فتكونون قد كذبتم على الله ، { فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ } أي : يهلككم بعقوبة هلاكًا لا بقية له ، { وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى } .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ لَهُمْ مّوسَىَ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىَ } .
يقل تعالى ذكره : قَالَ مُوسَى للسحرة لما جاء بهم فرعون : " وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلى اللّهِ كَذِبا " يقول : لا تختلفوا على الله كذبا ، ولا تتقوّلوه " فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ " فيستأصلكم بهلاك فيبيدكم . وللعرب فيه لغتان : سَحَت ، وأسحت ، وَسَحت ، أكثر من أسحت ، يقال منه : سحت الدهر ، وأسحت مال فلان : إذا أهلكه فهو يَسْحَته سحتا ، وأسحته يُسْحته إسحاتا . ومن الإسحات قول الفرزدق :
وَعَضّ زَمانٍ يا بْنَ مَرْوَنَ لَمْ يَدَعْ *** مِنَ المَالِ إلاّ مُسْحَتا أوْ مُجَلّفُ
ويُروى : إلا مسحت أو مجلف . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : " فَيُسْحِتَكم بِعَذَابٍ " يقول : فيهلككم .
حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة " فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ " يقول يستأصلكم بعذاب .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : " فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ " قال : فيستأصلكم بعذاب فيهلككم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ " قال : يهلككم هلاكا ليس فيه بقيّة ، قال : والذي يسحت ليس فيه بقية .
حدثنا موسى قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ " فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ " يقول يهلككم بعذاب .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة : «فَيَسْحَتَكُمْ » بفتح الياء من سحت يَسحت . وقرأته عامة قرّاء الكوفة : فَيُسْحِتَكُمْ بضم الياء من أسحت يُسْحِت .
قال أبو جعفر : والقول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان ، ولغتان معروفتان بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، غير أن الفتح فيها أعجب إليّ لأنها لغة أهل العالية ، وهي أفصح ، والأخرى وهي الضمّ في نجد .
وقوله : " وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرَى " يقول : ولم يظفر من يخلق كذبا وبقوله ، بكذبه ذلك ، بحاجته التي طلبها به ، ورجا إدراكها به .
فقال موسى للسحرة { ويلكم } وهذه مخاطبة محذرة ندبهم في هذه الآية إلى قول الحق إذا رأوه وأن لا يباهتوا بكذب وقرأ ابن عباس ونافع وعاصم{[1]} وأبو عمرو وابن عامر «فيَسحتكم » بفتح الياء ، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «فيُسحتكم » بضم الياء وهما لغتان بمعنى يقال سحت وأسحب إذا أهلك وأذهب ومنه قول الفرزدق : [ الطويل ]
وعض زماني يا ابن مروان لم يدع . . . من المال إلا مسحتاً أو مجلف{[2]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.