ثم ضربت{[25129]} لفرعون قبة فجلس فيها ينظر إليها ، وكان طول القبة{[25130]} سبعون ذراعاً . فقال لهم موسى عند ذلك يعني للسحرة{[25131]} الذين{[25132]} جمعهم فرعون { وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى الله كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ } أي : لا تزعموا أن الذي جئت به ليس بحق ، وأنه سحر ، وأنكم متمكنون من معارضتي ، فَيُسْحِتَكم الله بعذاب أي : فيهلككم ، قاله مقاتل والكلبي{[25133]} .
وقال قتادة : فيستأصلكم{[25134]} { وَقَدْ خَابَ مَنِ افترى } .
الخيبة : الحرمان والخسران{[25135]} {[25136]} .
قوله : { وَيْلَكُمْ } قال الزجاج : يجوز في انتصاب " وَيْلَكُمْ " أن يكون المعنى ألزمهم الله وَيْلاً إن افتروا على الله ، ويجوز على{[25129]} النداء كقوله : { يا ويلتا أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ }{[25130]} { قَالُواْ يا ويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا }{[25139]} {[25140]} .
قوله : { فَيُسْحِتَكُمْ } قرأ الأخوان{[25141]} وحفص عن ( عاصم " فَيُسْحِتَكُم " بضم الياء وكسر الحاء . والباقون بفتحهما{[25142]} .
فقراءة الأخوين من أسْحَتَ رباعياً وهي لغة نجد وتميم{[25143]} .
قال ){[25144]} الفرزدق التميمي{[25145]} :
وعَضَّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَعْ *** مَنَ المَالِ إلاَّ مُسْحَتاً أوْ مُجَلِّفُ{[25146]}
وقراءة الباقين من سحته ثلاثياً وهي لغة الحجاز{[25147]} ، وأصل هذه المادة لدلالة على الاستقصاء والنفاد ، ومنه سحت الحالق الشعر الذي استقصاه ، فلم يترك منه شيئاً ، ويستعمل في الإهلاك والإذهاب ، ونصبه بإضمار أن في جواب النهي{[25148]} .
ولمَّا أنشد الزمخخشري قول الفرزدق :
. . . *** . . . ( إلاَّ مُسْحَتاً أوْ مُجَلَّفُ ){[25149]}
قال بعد ذلك{[25150]} : في بيت لم تزل الرُّكَبُ تصطك{[25151]} في تسوية إعرابه{[25152]} .
قال شهاب الدين : يعني{[25153]} : أن هذا البيتَ صعبُ الإعراب ، وإذ{[25154]} قد ذكر ذلك فلنذكر ما ورد في هذا البيت من الروايات ، وما قاله{[25155]} الناس في ذلك على حسب ما يليق بهذا الموضوع{[25156]} ، فأقول وبالله الحول{[25157]} : روي هذا البيت بثلاث روايات كل واحدة لا تخلو{[25158]} من ضرورة . الأولى : ( لَمْ يَدَع ){[25159]} بفتح الياء والدال ، ونصب مُسْحَت وفي هذه خمسة أوجه :
الأول{[25160]} : أن معنى ( لَمْ يَدْعُ مِنَ المَالِ مُسْحَتاً ) لم يبق إلا مُسْحَتٌ ، فلما كان هذا في قوة الفاعل عطف عليه قوله : ( أو مُجَلَّفُ ){[25161]} ( بالرفع{[25162]} ){[25163]} ، وبهذا البيت استشهد الزمخشري على قراءة أبَيّ والأعمش { فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلٌ }{[25164]} ( برفع قليل{[25165]} ){[25166]} وقد تقدم .
الثاني : أنه مرفوع بفعل مقدر دل عليه ( لَمْ يَدَع ) والتقدير : أو بقي مُجَلَّف{[25167]} .
الثالث : أن ( مُجَلَّف ){[25168]} مبتدأ وخبره مضمر ، تقديره : أو مُجَلَّفٌ كذلك وهو تخريج الفراء .
الرابع : أنه معطوف على الضمير المستتر في " مُسْحَتاً " وكان من حق هذا أن يفصل بينهما بتأكيد ما إلا أنَّ القائل{[25169]} بذلك وهو الكسائي لا يشترط{[25170]} ، وأيضاً " فهو جائز ( في الضرورة ){[25171]} عند الكل{[25172]} .
الخامس : أن يكون ( مُجَلَّفُ ){[25173]} مصدراً بزنة اسم المفعول ، كقوله تعالى : { كُلَّ مُمَزَّقٍ }{[25174]} أي تجليف وتمزيق ، وعلى هذا فهو نسق على{[25175]}
( عَضُّ زَمَانٍ ) إذ التقدير : رَمَتْ بِنَا هُمُومُ المُنَى{[25176]} وعَضَّ زَمَانٍ أو تجليفٍ فهو فاعل لعطفه على الفاعل ، وهو قول الفارسي ، وهو أحسنها{[25177]} .
الرواية الثانية : فتح الياء وكسر الدال ورفع مُسْحَت ، وتخريجها واضح ، وهو أن يكون من ودع في بيته يدع فهو وادع بمعنى بقي يبقى فهو باق ، فيرتفع " مُسْحَت " بالفاعلية ، ويرفع ( مُجَلَّفٌ ) بالعطف عليه{[25178]} ولا بد حينئذ من ضمير محذوف{[25179]} تقديره : من أجله أو بسببه ليرتبط الكلام .
الرواية الثالثة : ( يُدَع ) بضم الياء وفتح الدال{[25180]} على ما يسمَّ فاعله و ( مُسْحتٌ ) بالرفع لقيامه مقام الفاعل و ( مُجَلَّف ){[25181]} عطف عليه ، وكان من حق الواو أن لا تحذف بل تثبت ، لأنها لم تقع بين ياء وكسرة ، وإنما حذفت حملاً للمبني للمفعول على المبني للفاعل .
وفي البيت كلام أطول من هذا تركته اختصاراً ، وهذا لبُّه ، وقد ذكرته في البقرة ، وفسرت معناه ولغته ، وصلته{[25182]} بما قبله فعليك بالالتفات إليه{[25183]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.