{ 66 - 67 } { وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا }
المراد بالإنسان هاهنا ، كل منكر للبعث ، مستبعد لوقوعه ، فيقول -مستفهما على وجه النفي والعناد والكفر- { أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا } أي : كيف يعيدني الله حيا بعد الموت ، وبعد ما كنت رميما ؟ " هذا لا يكون ولا يتصور ، وهذا بحسب عقله الفاسد ومقصده السيء ، وعناده لرسل الله وكتبه ، فلو نظر أدنى نظر ، وتأمل أدنى تأمل ، لرأى استبعاده للبعث ، في غاية السخافة ، ولهذا ذكر تعالى برهانا قاطعا ، ودليلا واضحا ، يعرفه كل أحد على إمكان البعث فقال : { أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا }
مضى السياق في السورة بقصص زكريا ومولد يحيى ؛ ومريم ومولد عيسى ؛ وإبراهيم واعتزاله لأبيه . ومن خلف بعدهم من المهتدين والضالين ، وبالتعقيب على هذا القصص بإعلان الربوبية الواحدة ، التي تستحق العبادة بلا شريك ؛ وهي الحقيقة الكبيرة التي يبرزها ذلك القصص بأحداثه ومشاهده وتعقيباته . وهذا الدرس الأخير في السورة يمضي في جدل حول عقائد الشرك وحول إنكار البعث . ويعرض في مشاهد القيامة مصائر البشر في مواقف حية حافلة بالحركة والانفعال ، يشارك فيها الكون كله ، سماواته وأرضه ، إنسه وجنه ، مؤمنوه وكافروه .
ويتنقل السياق بمشاهده بين الدنيا والآخرة ، فإذا هما متصلتان . تعرض المقدمة هنا في هذه الأرض ، وتعرض نتيجتها هنالك في العالم الآخر ، فلا تتجاوز المسافة بضع آيات أو بضع كلمات . مما يلقي في الحس أن العالمين متصلان مرتبطان متكاملان .
ويقول الإنسان : أئذا ما مت لسوف أخرج حيا ? أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ? فوربك لنحشرنهم والشياطين ، ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا . ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا . ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا . وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا . ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا .
يبدأ المشهد بذكر ما يقوله " الإنسان " عن البعث . ذلك أن هذه المقولة قالتها صنوف كثيرة من البشر في عصور مختلفة ؛ فكأنما هي شبهة " الإنسان " واعتراضه المتكرر في جميع الأجيال :
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً * أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَانُ أَنّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } .
يقول تعالى ذكره : ويقولُ الإنسانُ الكافر الذي لا يصدق بالبعث بعد الموت : أخرج حيا ، فأُبعث بعد الممات وبعد البلاء والفناء إنكارا منه ذلك .
{ ويقول الإنسان } المراد به الجنس بأسره فإن المقول مقول فيما بينهم وإن لم يقله كلهم كقولك : بنو فلان قتلوا فلانا والقاتل واحد منهم ، أو بعضهم المعهود وهم الكفرة أو أبي بن خلف فإنه أخذ عظاما بالية ففتها وقال : يزعم محمد أننا نبعث بعدما نموت . { أئذا ما مت لسوف أخرج حيا } من الأرض أو من حال الموت ، وتقديم الظرف وإيلاؤه حرف الإنكار لأن المنكر كون ما بعد الموت وقت الحياة ، وانتصابه بفعل دل عليه أخرج لا به فإن ما بعد اللام لا يعمل فيما قبلها ، وهي ها هنا مخلصة للتوكيد مجردة عن معنى الحال كما خلصت الهمزة واللام في يا ألله للتعويض فساغ اقترانها بحرف الاستقبال . وروي عن ابن ذكوان إذا ما مت بهمزة واحدة مكسورة على الخبر .
لما تضمن قوله { فاعبده واصطبر لعبادته } [ مريم : 65 ] إبطالَ عقيدة الإشراك به ناسب الانتقالُ إلى إبطال أثر من آثار الشرك . وهو نفي المشركين وقوع البعث بعد الموت حتى يتمّ انتقاض أصلي الكفر . فالواو عاطفة قصة على قصة ، والإتيان بفعل { يَقول } مضارعاً لاستحضار حالة هذا القول للتعجيب من قائله تعجيب إنكار .
والمراد بالإنسان جَمع من الناس بقرينة قوله بعده { فوربك لنحشرنهم } [ مريم : 68 ] ، فيراد من كانت هاته مقالتَه وهم معظم المخاطبين بالقرآن في أوّل نزوله . ويجوز أن يكون وصفٌ حُذف ، أي الإنسان الكافر ، كما حذف الوصفُ في قوله تعالى : { يأخذ كل سفينة غصباً } [ الكهف : 79 ] ، أي كلّ سفينة صالحة ، فتكون كقوله تعالى : { أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه } [ القيامى : 3 ، 4 ] . وكذلك إطلاق الناس على خصوص المشركين منهم في آيات كثيرة كقوله تعالى : { يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم } [ البقرة : 21 ] إلى قوله { فأتوا بسورة من مثله } [ البقرة : 23 ] فإن ذلك خطاب للمشركين . وقيل تعريف { الإنسان } للعهد لإنسان معين . فقيل ، قائل هذا أُبَي بن خلف ، وقيل : الوليد بن المغيرة .
والاستفهام في { أإذا ما متّ لسوف أخرج حياً } إنكار لتحقيق وقوع البعث ، فلذلك أتي بالجملة المسلّطِ عليها الإنكار مقترنةً بلام الابتداء الدالة على توكيد الجملة الواقعة هي فيها ، أي يقول لا يكون ما حققتموه من إحيائي في المستقبل .
ومتعلق { أُخرَجُ } محذوف أي أُخرج من القبر .
وقد دخلت لام الابتداء في قوله { لسَوفَ أُخرَجُ حيّاً } على المضارع المستقبل بصريح وجود حرف الاستقبال ، وذلك حجّة لقول ابن مالك بأن لام الابتداء تدخل على المضارع المراد به الاستقبال ولا تخلصه للحال . ويظهر أنه مع القرينة الصريحة لا ينبغي الاختلاف في عدم تخليصها المضارع للحال ، وإن صمّم الزمخشري على منعه ، وتأول ما هنا بأنّ اللام مزيدة للتوكيد وليست لام الابتداء ، وتأوله في قوله تعالى : { ولسوف يعطيك ربك فترضى } [ الضحى : 5 ] بتقدير مبتدأ محذوف ، أي ولأنت سوف يعطيك ربّك فترضى ، فلا تكون اللام داخلة على المضارع ، وكلّ ذلك تكلّف لا مُلجىء إليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.