الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَيَقُولُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوۡفَ أُخۡرَجُ حَيًّا} (66)

قوله : { أَإِذَا مَا مِتُّ } : " إذا " منصوبةٌ بفعلٍ مقدرٍ مدلولٍ عليه بقوله تعالى { لَسَوْفَ أُخْرَجُ } تقديرُه : إذا مِتُّ أُبْعَثُ أو أُحيا . ولا يجوز أن يكونَ العاملُ فيه " أُخْرِج " لأنَّ ما بعد لام الابتداء لا يعمل فيما قبلها . قال أبو البقاء : " لأنَّ ما بعد اللامِ وسوف لا يَعْمل فيما قبلها كإنَّ " قلت : قد جَعَلَ المانعَ مجموعَ الحرفين : أمَّا اللامُ فمُسَلَّمٌ ، وأمَّا حرفُ التنفيسِ فلا مَدْخَلَ له في المنع ؛ لأنَّ حرفَ التنفيسِ يَعْمَلُ ما بعده فيما قبله . تقول : زيداً سأضرب ، وسوف أضرب ، ولكنْ فيه خلافٌ ضعيفٌ ، والصحيحُ الجوازُ ، وأنشدوا عليه :

فلمَّا رَأَتْع أمُّنا هانَ وَجْدُها *** وقالت : أبونا هكذا سوف يَفْعَلُ

ف " هكذا " منصوب ب " يَفْعَل " بعد حرف التنفيس .

وقال ابن عطية : واللامُ في قوله : " لَسَوْف " مجلوبةٌ على الحكاية لكلامٍ تقدَّم بهذا المعنى ، كأنَّ قائلاً قال للكافر : إذا مِتَّ يا فلان لسوف تُخْرَجُ حَيَّاً ، فقرَّر الكلامَ على الكلام على جهةِ الاستبعادِ ، وكرَّر اللامَ حكايةً للقول الأول " .

قال الشيخ : " ولا يُحتاج إلى هذا التقدير ، ولا أن هذا حكايةُ لقولٍ تقدَّمَ ، بل هو من كلامِ الكافرِ ، وهو استفهامٌ فيه معنى الجحدِ والاستبعادِ " .

وقال الزمخشري : " لامُ الابتداءِ الداخلةُ على المضارع تعطي معنى الحالِ فكيف جامَعَتْ حرفَ الاستقبال ؟ قلت : لم تجامِعْها إلا مُخْلِّصَةً للتوكيد كما أَخْلَصَت الهمزةُ في " يا الله " للتعويض ، واضمحلَّ عنها معنى التعريف " . قال الشيخ : " وما ذَكَرَ مِنْ أنَّ اللامَ تعطي الحالَ مخالَفٌ فيه ، فعلى مذهبِ مَنْ لا يرى ذلك يُسْقط السؤال . وأمَّا قولُه : " كما أَخْلَصَت الهمزة " فليس ذلك إلا على مذهبِ مَنْ يزعم أنَّ أصلَه إلاه ، وأمَّا مِنْ يزعم أنَّ أصله : لاه ، فلا تكون الهمزةُ فيه للتعويضِ ؛ إذ لم يُحْذَفْ منه شيءٌ ، ولو قلنا : إن أصلَه إلاه ، وحُذِفَتْ فاءُ الكلمة ، لم يتعيَّنْ أنَّ الهمزةَ فيه في النداء للتعويض ، إذ لو كانَتْ عوضاً من المحذوف لَثَبَتَتْ دائماً في النداء وغيرِه ، ولَمَات جاز حذفُها في النداء ، قالوا : " يا الله " بحَذْفِها ، وقد نَصُّوا على أن [ قطعَ ] همزةِ الوصل في النداء شاذ " .

وقرأ الجمهور " أإذا " بالاستفهامِ وهو استبعادٌ كما تقدَّم . وقرأ ابن ذكوان بخلافٍ عنه وجماعةٌ " إذا " بهمزةٍ واحدة على الخبر ، أو للاستفهامِ وحذَف أداتَه للعلمِ بها ، ولدلالةِ القراءةِ الأخرى عليها .

وقرأ طلحة بن مصرف " لَسَأَخْرَجُ " بالسين دون سوف ، هذا نَقْلُ الزمخشريِّ عنه ، وغيرُه نَقَل عنه " سَأَخْرُج " دونَ لامِ ابتداء ، وعلى هذه القراءةِ يكونُ العاملُ في الظرف نفسَ " أُخْرَج " ، ولا يمنع حرفُ التنفيسِ على الصحيح .

وقرأ العامَّةُ " أُخْرَجُ " مبنياً للمفعول . والحسن وأبو حيوة " أَخْرِجُ " مبنياً للفاعل . و " حَيَّاً " حالٌ مؤكِّدة لأنَّ مِنْ لازمِ خروجِه أن يكونَ " حَيَّاً " وهو كقولِه : { أُبْعَثُ حَيّاً } [ مريم : 33 ] .

وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وجماعة " يَذْكُرُ " مخففاً مضارعَ " ذكر " ، والباقون بالتشديد مضارعَ تَذَكَّر ، والأصل " يتذكَّر " فأُدْغِمَتْ التاءُ في الذال . وقد قرأ بهذا الأصلِ وهو يَتَذَكَّر : أُبَيُّ .