اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيَقُولُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوۡفَ أُخۡرَجُ حَيًّا} (66)

قوله تعالى : { وَيَقُولُ الإنسان أَإِذَا مَا مِتُّ } الآية{[21896]} . " إذَا " منصوب بفعل مقدر مدلول عليه بقوله تعالى : { لَسَوْفَ أُخْرَجُ }{[21897]} ، تقديره : إذا مت أبعث أو{[21898]} أحياً ، ولا يجوز أن يكون العامل فيه " أخْرَجُ " لانَّ ما بعد لام الابتداء لا يعمل ما قبلها قال أبو البقاء : لأن ما بعد اللام وسوف لا يعمل فيما قبلها{[21899]} ك " إنَّ " {[21900]} قال شعاب الدين : قد جعل المانع مجموع الحرفين ، أما اللام فمسلم وأما حرف التنفيس فلا مدخل له في المنع ، لأن حرف التنفيس يعمل كان بعده فيما قبله ، تقول : زَيْداً سأضَرِبُ وسوف أضرب ، ولكن فيه خلاف ضعيف{[21901]} ، والصحيح الجواز ، وأنشدوا عليه :

فَلَمَّا رَأتْهُ آمَناً هَانَ وجْدُهَا *** وقَالَتْ أبُونَا سَوْفَ يَفْعَلُ{[21902]}

ف " هَكَذَا " {[21903]} منصوب ب " يَفْعَلُ " بعد ( حرف التنفيس{[21904]} ){[21905]} ، ( وقال ابن عطية ){[21906]} : واللام في قوله : { لَسَوْفَ } مجلوبة على الحكاية لكلام تقدم{[21907]} بهذا المعنى ، كأن قائلاً قال للكافر : ( إذا متُّ ){[21908]} يا فلان لسوف تخرج{[21909]} حيًّا ، فقرر الكلام على الكلام على جهة الاستبعاد ، وكرر اللام حكاية للقول الأول{[21910]} . قال أبو حيان : ولا يحتاج إلى هذا التقدير ، ولا أن{[21911]} ولا أن هذا حكاية لكلام{[21912]} تقدم بل هو من كلام الكافر ، وهو استفهام فيه معنى الجحد والاستبعاد{[21913]} . وقال الزمخشري{[21914]} : فإن قيل : لام الابتداء الداخلة على المضارع تعطي معنى الحال ، فكيف جامعت حرف الاستقبال ؟ قلتُ : لم تجامعها إلاَّ مخلصة للتوكيد كما أخلصت الهمزة في يا الله للتعويض ، واضْمَحَلَّ{[21915]} عنها معنى التعريف{[21916]} .

قال أبو حيان : وما ذكر من أن اللام{[21917]} تعطي " معنى " {[21918]} الحال مخالف فيه{[21919]} ، فعلى مذهب من لا يرى ذلك{[21920]} يسقط{[21921]} السؤال ، وأما قوله : كما أخلصت الهمزة .

فليس ذلك إلاَّ على مذهب من يزعم أن أصله : إله{[21922]} ، وأما من يزعم أن{[21923]} أصله : لاه . فلا تكون الهمزة فيه للتعويض " إذْ لم يحذف منه شيء ، ولو قلنا : إنَّ أصله إله ، وحذفت فاء الكلمة لم يتعين أن الهمزة فيه في النداء للتعويض " {[21924]} ، إذ لو كانت عوضاً من المحذوف لثبتت دائماً في النداء وغيره ، ولما جاز حذفها في النداء ، قالوا : يا الله بحذفها{[21925]} ، وقد نصوا على أن " قطع " {[21926]} همزة الوصل في النداء شاذ{[21927]} .

وقرأ الجمهور : " أءِذَا " بالاستفهام{[21928]} ، وهو استبعاد كما تقدم{[21929]} . وقرأ أبو ذكوان{[21930]} بخلاف عنه ، وجماعة " إذَا " بهمزة واحدة{[21931]} على الخبر أو{[21932]} الاستفهام وحذف أداته للعلم بها ، ولدلالة القراءة الأخرى عليها .

وقرأ طلحة بن مصرِّف{[21933]} " لسَأخرجُ " بالسين دون سوف . هذا نقل الزمخشري عنه{[21934]} . وغيره نقل " سَأخْرَجُ " دون لام الابتداء{[21935]} ، وعلى هذه القراءة يكون العامل{[21936]} في الظرف نفس " أخْرَجُ " ، ولا يمنع حرف التنفيس{[21937]} على الصحيح{[21938]} .

وقرأ العامة " أخْرَجُ " مبنياً للمفعول{[21939]} . والحسن ، وأبو حيوة " أخْرُجُ " مبنياً للفاعل{[21940]} . و " حيًّا " حال مؤكدة{[21941]} ، لأنَّ من لازم خروجه أن يكون حيًّا ، وهو كقوله : { أُبْعَثُ حَيّاً }{[21942]} .

فصل

لما أمر بالعبادة{[21943]} والمصابرة عليها ، فكأنَّ سائلاً سأل وقال : هذه العبادات لا منفعة فيها في الدنيا ، وأمَّا في{[21944]} الآخرة فقد أنكرها قوم ، فلا{[21945]} بُدَّ من ذكر الدلالة على القول بالحشر حتى تظهر فائدة الاشتغال بالعيادة ، فلهذا حكى الله -تعالى- قول منكري الحشر ، فقال : { وَيَقُولُ الإنسان } الآية : قالوا ذلك على سبيل الإنكار والاستبعاد وذكروا في الإنسان وجهين :

أحدهما : أن يكون المراد الجنس كقوله : { هَلْ أتى عَلَى الإنسان }{[21946]} .

فإن قيل : كلهم غير قائلين بذلك ، فكيف يصح هذا القول ؟ .

فالجواب من وجهين : الأول : أنَّ{[21947]} هذه المقولة لمَّا كانت موجودة في جنسهم صحَّ إسنادها إلى جميعهم ، كما يقال : بنو فلان قتلوا فلاناًَ ، وإنما القاتل رجل منهم{[21948]} .

الثاني : أنَّ هذا الاستبعاد موجود ابتداء في طبع كل أحد إلاَّ أنَّ بعضهم تركه للدلالة القاطعة على صحة القول به .

القول الثاني{[21949]} : أنَّ المراد بالإنسان شخص معين ، فقيل : أبيُّ بن خلف الجمحي .

وقيل : أبو جهل . وقيل : المراد جنس الكفار القائلين بعدم البعث{[21950]} .


[21896]:الآية: سقط من ب، وكتبت الآية كاملة.
[21897]:في ب: لسوف أخرج حيا.
[21898]:في ب: و.
[21899]:(إذا) ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه، ولأن "لسوف أخرج حيا" لا يصح أن يكون جوابا لـ"إذا"، لاقترانه بلام الابتداء، وهي لها الصدارة في جملتها، قدر لـ "إذا" جوابها، وهو الناصب لها على نحو ما قدر في الأصل. الكشاف 2/417، البيان 2/130.
[21900]:التبيان 2/877، والمقصود بالتنظير هنا أن خبر (إن) لا يتقدم عليها.
[21901]:حيث منع ابن الطراوة، وتلميذه السهيلي أن يتقدم ما بعد السين وسوف عليهما، وعندهما أنهما حرفا مصدر، لأنهما من حروف المعاني الداخلة على الجمل، ومعناها في نفس المتكلم، وإليه يسند لا إلى الاسم المخبر عنه، فوجب أن يكون له صدر الكلام كحروف الاستفهام والنفي والتمني، وغير ذلك، ولذلك قبح زيدا سأضرب، وزيد سيقوم، مع أنّ الخبر عن زيد إنما هو بالفعل لا بالمعنى الذي دلت عليه السين، فإن ذلك المعنى مسند إلى المتكلم لا إلى زيد، فلا يجوز أن يخلط بالخبر عن زيد فتقول: زيد سيفعل. نتائج الفكر 121- 122، حاشية يس على التصريح 1/160.
[21902]:البيت من بحر الطويل قاله النمر بن تولب، وهو في البحر المحيط 6/206، تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد 55، حاشية يس 1/160. هان: ضعف الوجد: الشوق. الشاهد فيه أن ما بعد حرف التنفيس يعمل فيما قبله، فـ (هكذا) منصوب بـ (يفعل) بعد سوف. وبهذا البيت رد على ابن الطراوة وتلميذه السهيلي حيث منعا أن يتقدم ما بعد السين وسوف عليهما.
[21903]:في ب: فكذا. وهو تحريف.
[21904]:الدر المصون 5/11.
[21905]:ما بين القوسين في ب: حرف التعليل والتنفيس.
[21906]:ما بين القوسين سقط من ب.
[21907]:في ب: مقدم.
[21908]:ما بين القوسين سقط من الأصل.
[21909]:في ب: أخرج.
[21910]:تفسير ابن عطية 9/505-506.
[21911]:في ب: ولا يحتاج هذا لأن.
[21912]:في ب: للقول لكلام.
[21913]:البحر المحيط 6/207.
[21914]:في ب: وقال الزمخشري: لام الابتداء الداخلة على المضارع تعطي لام الحال كيفية فإن قيل.
[21915]:اضمحل السحاب: تقشع، واضمحل الشيء، أي: ذهب. اللسان (ضحل).
[21916]:الكشاف 2/417.
[21917]:في ب: من معنى اللام.
[21918]:معنى: تكملة من البحر المحيط.
[21919]:لام الابتداء الداخلة على الفعل المضارع من الأمور المختلف في دلالتها، فذهب الكوفيون إلى أنها تقصر الفعل على الحال بعد أن كان مبهما، ولذلك لا يجوزون اجتماع لام الابتداء مع حرف التنفيس، للتناقض، فلا تقول: إن محمدا لسوف يقوم. وذهب البصريون إلى أنها لا تقصره على الحال، بل هو مبهم، لأنّ اللام عندهم باقية على إفادة التوكيد، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {وإن ربك ليحكم بينهم} [النحل: 124]، فيجوزون اجتماع اللام مع سوف لقوله تعالى: {ولسوف يعطيك} [الضحى: 5]، فيجوز عندهم إن محمدا لسوف يقوم. ابن يعيش 9/26، شرح الكافية 2/226-227.
[21920]:وهو مذهب البصريين.
[21921]:في ب: لسقط.
[21922]:أي أن أصل لفظ الجلالة على هذا المذهب (إله) على وزن فعال بمعنى مفعول لأنه مألوه، أي: معبود، ثم دخلت عله (ال)، فصار (الإله)، ثم حذف الهمزة بعد نقل حركتها إلى اللام قبلها، فصار (اللاه) بكسر لام التعريف، ثم سكنت لام التعريف، وأدغمت في اللام الثانية، وفخمت تعظيما. فلما كثر استعمال لفظ الجلالة، وكانت (ال) عوضا من المحذوف صارتا كحرف من حروفه، وجاز نداؤه وإن كانت فيه (ال). الكتاب 2/195، ابن يعيش 2/9.
[21923]:في ب: رغم أنه.
[21924]:ما بين القوسين تكملة من البحر المحيط.
[21925]:عند نداء لفظ الجلالة تقول: يا الله. بإثبات الألفين، ألف (يا) وألف (الله)، ويلله، بحذفهما معا، ويالله بحذف الثانية فقط وإبقاء الأولى. والأكثر حذف حرف النداء (يا) وتعوض عنه الميم المشددة، فتقول: اللهم بحذف حرف النداء وزيادة الميم في آخره، ولم تزد مكان المعوض منه، لئلا يجتمع زيادتا الميم و(ال) في الأول، وخصت الميم بذلك، لأن الميم عهدت زيادتها آخرا كميم زرقم. شرح التصريح 1/172.
[21926]:قطع: تكملة من البحر المحيط.
[21927]:البحر المحيط 6/207. لم أجد من قال بشذوذ قطع همزة الوصل في النداء مطلقا فيما وصلت إليه يدي من مراجع.
[21928]:انظر البحر المحيط 6/206.
[21929]:أي: هو استفهام فيه معنى الجحد والاستبعاد.
[21930]:تقدم.
[21931]:انظر البحر المحيط 6/206.
[21932]:في ب: على جواز.
[21933]:تقدم.
[21934]:الكشاف 2/418.
[21935]:المختصر (85).
[21936]:في ب: العالم. وهو تحريف.
[21937]:التنفيس: مكرر في ب.
[21938]:انظر البحر المحيط 6/206.
[21939]:تفسير ابن عطية 9/506، البحر المحيط 6/207.
[21940]:المختصر (85) تفسير ابن عطية 9/206، البحر المحيط 6/206.
[21941]:الحال المؤكدة هي التي يستفاد معناها بدون ذكرها، وتكون مؤكدة لمضمون جملة قبلها نحو "زيد أبوك عطوفا"، أو لعاملها كقوله تعالى: {ويوم أبعث حيا} [مريم: 33] أو لصاحبها كقوله تعالى: {لآمن من في الأرض كلهم جميعا} [يونس: 99]. فإن الأبوة من شأنها العطف، والبعث من لازمه الحياة، والعموم من مقتضياته الجمعية. شرح التصريح 1/367.
[21942]:من قوله تعالى: {والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} [مريم: 33].
[21943]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 21/241-242.
[21944]:في: سقط من الأصل.
[21945]:في ب: ولا.
[21946]:من قوله تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} [الإنسان: 1].
[21947]:في ب: لما كانت.
[21948]:في ب: بنوا فلان تغلبوا طبع أحد الأقوال وإنما قاله رجل منهم. وهو تحريف، وفي الأصل: بنوا. وهو تحريف.
[21949]:في الأصل: الثالث. وهو تحريف.
[21950]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 21/241 -242.