الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَيَقُولُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوۡفَ أُخۡرَجُ حَيًّا} (66)

يحتمل أن يراد بالإنسان الجنس بأسره ، وأن يراد بعض الجنس وهم الكفرة .

فإن قلت : لم جازت إرادة الأناسي كلهم ، وكلهم غير قائلين ذلك ؟ قلت : لما كانت هذه المقالة موجودة فيمن هو من جنسهم ، صح إسناده إلى جميعهم ، كما يقولون : بنو فلان قتلوا فلاناً ، وإنما القاتل رجل منهم . قال الفرزدق :

فَسَيْفُ بَنِي عَبْسٍ وَقَدْ ضَرَبُوا بِهِ *** نَبَا بِيَدَيْ وَرْقَاءَ عَنْ رَأْسِ خَالِدِ

فقد أسند الضرب إلى بني عبس مع قوله : «نبا بيدي ورقاء » وهو ورقاء بن زهير بن جذيمة العبسي .

فإن قلت : بم انتصب { إِذَا } وانتصابه ب ( أخرج ) ممتنع لأجل اللام ؛ لا تقول : اليوم لزيد قائم ؟ قلت : بفعل مضمر يدل عليه المذكور .

فإن قلت : لام الابتداء الداخلة على المضارع تعطي معنى الحال ، فكيف جامعت حرف الاستقبال ؟ قلت : لم تجامعها إلا مخلصة للتوكيد كما أخلصت الهمزة في يا أَلله للتعويض واضمحلّ عنها معنى التعريف . و«ما » في { أَءِذَا مَا } للتوكيد أيضاً ، فكأنهم قالوا : أحقاً أنا سنخرج أحياء حين يتمكن فينا الموت والهلاك ؟ على وجه الاستنكار والاستبعاد . والمراد الخروج من الأرض ، أو من حال الفناء . أو هو من قولهم : خرج فلان عالماً ، وخرج شجاعاً : إذا كان نادراً في ذلك ، يريد : سأخرج حياً نادراً على سبيل الهزؤ . وقرأ الحسن وأبو حيوة : «لسوف أخرج » وعن طلحة بن مصرف رضي الله عنه «لسأخرج » كقراءة ابن مسعود رضي الله عنه «ولسيعطيك » وتقديم الظرف وإيلاؤه حرف الإنكار من قبل أن ما بعد الموت هو وقت كون الحياة منكرة ، ومنه جاء إنكارهم ، فهو كقولك للمسيء إلى المحسن : أحين تمت عليك نعمة فلان أسأت إليه .