{ قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ ْ } تدل على كمال قدرة الله تعالى ، وعلى أن الأسباب جميعها ، لا تستقل بالتأثير ، وإنما تأثيرها بتقدير الله ، فيري عباده خرق العوائد في بعض الأسباب العادية ، لئلا يقفوا مع الأسباب ، ويقطعوا النظر عن مقدرها ومسببها { وَرَحْمَةً مِنَّا ْ } أي : ولنجعله رحمة منا به ، وبوالدته ، وبالناس .
أما رحمة الله به ، فلما خصه الله بوحيه ومن عليه بما من به على أولي العزم ، وأما رحمته بوالدته ، فلما حصل لها من الفخر ، والثناء الحسن ، والمنافع العظيمة . وأما رحمته بالناس ، فإن أكبر نعمه عليهم ، أن بعث فيهم رسولا ، يتلو عليهم آياته ، ويزكيهم ، ويعلمهم الكتاب والحكمة ، فيؤمنون به ، ويطيعونه ، وتحصل لهم سعادة الدنيا والآخرة ، { وَكَانَ ْ } أي : وجود عيسى عليه السلام على هذه الحال { أَمْرًا مَقْضِيًّا ْ } قضاء سابقا ، فلا بد من نفوذ هذا التقدير والقضاء ، فنفخ جبريل عليه السلام في جيبها .
( قال : كذلك قال ربك : هو علي هين . ولنجعله آية للناس ، ورحمة منا ) . .
فهذا الأمر الخارق الذي لا تتصور مريم وقوعه ، هين على الله . فأمام القدرة التي تقول للشيء كن فيكون ، كل شيء هين ، سواء جرت به السنة المعهودة أو جرت بغيره . والروح يخبرها بأن ربها يخبرها بأن هذا هين عليه . وأنه أراد أن يجعل هذا الحادث العجيب آية للناس ، وعلامة على وجوده وقدرته وحرية إرادته . ورحمة لبني إسرائيل أولا وللبشرية جميعا ، بإبراز هذا الحادث الذي يقودهم إلى معرفة الله وعبادته وابتغاء رضاه .
بذلك انتهى الحوار بين الروح الأمين ومريم العذراء . . ولا يذكر السياق ماذا كان بعد الحوار ، فهنا فجوة من فجوات العرض الفني للقصة . ولكنه يذكر أن ما أخبرها به من أن يكون لها غلام وهي عذراء لم يمسسها بشر ، وأن يكون هذا الغلام آية للناس ورحمة من الله . أن هذا قد انتهى أمره ، وتحقق وقوعه : ( وكان أمرا مقضيا )كيف ? لا يذكر هنا عن ذلك شيئا .
قالَ كَذلكِ قالَ رَبّكِ هُوَ عَليّ هَيّنٌ يقول تعالى ذكره : قال لها جبريل : هكذا الأمر كما تصفين ، من أنك لم يمسسك بشر ولم تكوني بغيا ، ولكن ربك قال : هو عليّ هين : أي خَلْق الغلام الذي قلت أن أهبه لك عليّ هين لا يتعذّر عليّ خلقه وهبته لك من غير فحل يفتحلك .
وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً للنّاسِ يقول : وكي نجعل الغلام الذي نهبه لك علامة وحجة على خلقي أهبه لك . وَرَحْمَةً مِنّا يقول : ورحمة منا لك ، ولمن آمن به وصدّقه أخلقه منك وكانَ أمْرا مَقْضِيّا يقول : وكان خلقه منك أمرا قد قضاه الله ، ومضى في حكمه وسابق علمه أنه كائن منك . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثني من لا أتهم ، عن وهب بن منبه وكانَ أمْرا مَقْضِيّا أي إن الله قد عزم على ذلك ، فليس منه بدّ .
{ قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله } أي ونفعل ذلك لنجعله آية أو لنبين به قدرتنا ولنجعله ، وقيل عطف على ليهب على طريقة الالتفات . آية للناس علامة لهم وبرهانا على كمال قدرتنا . { ورحمة منا } على العباد يهتدون بإرشاده . و { وكان أمرا مقضيا } أي تعلق به قضاء الله في الأزل ، أو قدر وسطر في اللوح أو كان أمرا حقيقيا بأن يقضى ويفعل لكونه آية ورحمة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.