القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ يَتَوَفّاكُم مّلَكُ الْمَوْتِ الّذِي وُكّلَ بِكُمْ ثُمّ إِلَىَ رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ } .
يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله : يتوفاكم ملك الموت ، يقول : يستوفي عددكم بقبض أرواحكم ملك الموت الذي وكل بقبض أرواحكم ومنه قول الراجز :
إنّ بَنِي الأَدْرَمِ لَيْسُوا مِنْ أحَدْ *** وَلا تَوَفّاهُمْ قُرَيْشٌ فِي العَدَدْ
ثُمّ إلى رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ يقول : من بعد قبض ملك الموت أرواحكم إلى ربكم يوم القيامة تردّون أحياء كهيئتكم قبل وفاتكم ، فيجازى المحسن منكم بإحسانه ، والمُسيء بإساءته .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ المَوْتِ الّذِي وُكّلَ بِكُمْ قال : ملك الموت يتوفاكم ، ومعه أعوان من الملائكة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ المَوْتِ قال : حُوِيَت له الأرض ، فجُعلت له مثل الطست يتناول منها حيث يشاء .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد ، بنحوه .
و { ملك الموت } اسمه عزرائيل وتصرفه كله بأمر الله وبخلقه واختراعه وروي في الحديث أن البهائم كلها يتوفى الله روحها دون ملك .
قال الفقيه الإمام القاضي : كأن يعدم حياتها{[9422]} ، وكذلك الأمر في بني آدم إلا أنه نوع شرف بتصرف ملك وملائكة معه في قبض أرواحهم ، وكذلك أيضاً غلظ العذاب على الكافرين بذلك ، وروي عن مجاهد : أن الدنيا بين يدي ملك الموت كالطست بين يدي الإنسان يأخذ من حيث أمر .
استئناف ابتدائي جار على طريقة حكاية المقاولات لأن جملة { قل } في معنى جواب لقولهم { أإذا ضللنا في الأرض إنّا لفي خلق جديد } [ السجدة : 10 ] ؛ أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يعيد إعلامهم بأنهم مبعوثون بعد الموت . فالمقصود من الجملة هو قوله { ثم إلى ربكم ترجعون } إذ هو مناط إنكارهم ، وأما إنهم يتوفّاهم ملك الموت فذكره لتذكيرهم بالموت وهم لا ينكرون ذلك ولكنهم ألهتهم الحياة الدنيا عن النظر في إمكان البعث والاستعداد له فذكروا به ثم أدمج فيه ذكر ملك الموت لزيادة التخويف من الموت والتعريض بالوعيد من قوله { الذي وُكِّل بكم } فإنه موكل بكل ميت بما يناسب معاملته عند قبض روحه . وفيه إبطال لجهلهم بأن الموت بيد الله تعالى وأنه كما خلقهم يميتهم وكما يميتهم يحييهم ، وأن الإماتة والإحياء بإذنه وتسخير ملائكته في الحالين . وذلك إبطال لقولهم { ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا } [ الجاثية : 24 ] فأعلمهم الله أنهم لا يخرجون عن قبضة تصرفه طرفة عين لا في حال الحياة ولا في حال الممات . وإذا كان موتهم بفعل ملك الموت الموكل من الله بقبض أرواحهم ظهر أنهم مردودة إليهم أرواحهم متى شاء الله .
والتوفّي : الإماتة . وتقدم في قوله تعالى : { وهو الذي يتوفاكم بالليل } في سورة الأنعام ( 60 ) ، وقوله : { ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة } في سورة الأنفال ( 50 ) .
وملك الموت هو الملك الموكّل بقبض الأرواح وقد ورد ذكره في القرآن مفرداً كما هنا وورد مجموعاً في قوله : { ولو تَرى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة } في سورة الأنفال ( 50 ) ، وقوله : { تَوفّتْه رسُلُنا } في سورة الأنعام ( 61 ) ، وذلك أن الله جعل ملائكة كثيرين لقبض الأرواح وجعل مُبلِّغ أمر الله بذلك عزرائيل فإسناد التوفّي إليه كإسناده إلى الله في قوله { الله يتوفّى الأنفس } [ الزمر : 42 ] ، وجعل الملائكة الموكلين بقبض الأرواح أعواناً له وأولئك يسلمون الأرواح إلى عزرائيل فهو يقبضها ويودعها في مقارها التي أعدها الله لها ، ولم يرد اسم عزرائيل في القرآن . وقيل : إن ملك الموت في هذه الآية مراد به الجنس فتكون كقوله { توفته رسلنا } [ الأنعام : 61 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.