{ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ ْ } أي . ألتجئ به وأعتصم برحمته ، أن تنالني بسوء . { إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ْ } أي : إن كنت تخاف الله ، وتعمل بتقواه ، فاترك التعرض لي ، فجمعت بين الاعتصام بربها ، وبين تخويفه وترهيبه ، وأمره بلزوم التقوى ، وهي في تلك الحالة الخالية ، والشباب ، والبعد عن الناس ، وهو في ذلك الجمال الباهر ، والبشرية الكاملة السوية ، ولم ينطق لها بسوء ، أو يتعرض لها ، وإنما ذلك خوف منها ، وهذا أبلغ ما يكون من العفة ، والبعد عن الشر وأسبابه .
وهذه العفة - خصوصا مع اجتماع الدواعي ، وعدم المانع - من أفضل الأعمال .
ولذلك أثنى الله عليها فقال : { وَمَرْيَمَ ابْنَة عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ْ } { وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ْ }فأعاضها الله بعفتها ، ولدا من آيات الله ، ورسولا من رسله .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَتْ إِنّيَ أَعُوذُ بِالرّحْمََنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً * قَالَ إِنّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ لاَِهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً } .
يقول تعالى ذكره : فخافت مريم رسولنا ، إذ تمثّل لها بشرا سويا ، وظنته رجلاً يريدها على نفسها .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله إنّي أعُوذُ بالرّحْمَنِ مِنْكَ إنْ كُنْتَ تَقِيّا قال : خشيت أن يكون إنما يريدها على نفسها .
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ فَتَمَثّلَ لَهَا بَشَرا سَوِيّا فلما رأته فزعت منه وقالت : إنّي أعُوذُ بالرّحْمَنِ مِنْكَ إنْ كُنْتَ تَقِيّا .
فقالت : إني أعوذ أيها الرجل بالرحمن منك ، تقول : أستجير بالرحمن منك أن تنال مني ما حرّمه عليك إن كنت ذا تقوى له تتقي محارمه ، وتجتنب معاصيه لأن من كان لله تقيا ، فإنه يجتنب ذلك . ولو وجه ذلك إلى أنها عَنَت : إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تتقي الله في استجارتي واستعاذتي به منك كان وجها . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عمن لا يتهم ، عن وهب بن منبه قالَتْ إنّي أعُوذُ بالرّحْمَنِ مِنْكَ إنْ كُنْتَ تَقِيّا ولا ترى إلا أنه رجل من بني آدم .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو بكر ، عن عاصم ، قال : قال ابن زيد : وذكر قَصَص مريم فقال : قد علمت أن التقيّ ذو نُهية حين قالت : إنّي أعُوذُ بالرّحْمَنِ مِنْكَ إنْ كُنْتَ تَقِيّا قالَ إنّمَا أنا رَسُولُ رَبّكِ .
وقوله تعالى { أعوذ بالرحمن } الآية ، المعنى قالت مريم للملك الذي تمثل لها بشراً لما رأته قد خرق الحجاب الذي اتخذته ، فأساءت به الظن { أعوذ بالرحمن منك إن كنت } ذا تقى ، قال أبو وائل : علمت أن «التقي » ذو نهية ، وقال وهب بن منبه «تقي » رجل إسم رجل فاجر كان في ذلك الزمن في قومها فلما رأته متسوراً عليها ظنته إياه فاستعاذت بالرحمن منه ، حكى هذا مكي وغيره ، وهو ضعيف ذاهب مع التخرص .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.