وقوله : وفي السّماءِ رِزْقُكُمْ يقول تعالى ذكره : وفي السماء : المطر والثلج اللذان بهما تخرج الأرض رزقكم ، وقوتكم من الطعام والثمار وغير ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا النضر ، قال : حدثنا جُوَيبر ، عن الضحاك ، في قوله : وفي السّماءِ رِزْقُكُمْ قال : المطر .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : وفي السماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ قال : الثلج ، وكلّ عين ذائبة من الثلج لا تنقص .
حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الكريم ، عن الحسن ، قال : في السحاب فيه والله رزقكم ، ولكنكم تُحْرَمونه بخطاياكم وأعمالكم .
قال : أخبرنا سفيان ، عن إسماعيل بن أمية ، قال : أحسبه أو غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً ومطروا ، يقول : ومطرنا ببعض عثانين الأسد ، فقال : «كَذَبْتَ ، بَلْ هُوَ رِزْقُ اللّهِ » .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن مجاهد وفي السّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ قال : رزقكم المطر .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان وفي السّماءِ رِزْقُكُمْ قال : رزقكم المطر .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ومن عند الله الذي في السماء رزقكم ، وممن تأوّله كذلك واصل الأحدب .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا هارون بن المُغيرة من أهل الرأي ، عن سفيان الثوري ، قال : قرأ واصل الأحدب هذه الاَية وفي السّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ فقال : ألا إن رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض ، فدخل خرِبة فمكث ثلاثا لا يصيب شيئا ، فلما كان اليوم الثالث إذا هو دوخلّة رطب ، وكان له أخ أحسن نية منه ، فدخل معه ، فصارتا دوخلّتين ، فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرّق الموت بينهما .
واختلف أهل التأويل في تأويل ، قوله : وَما تُوعَدُونَ فقال بعضهم : معنى ذلك : وما توعدون من خير ، أو شرّ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن مجاهد وَما تُوعَدُونَ قال : وما توعدون من خير أو شرّ .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وفي السّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ يقول : الجنة في السماء ، وما توعدون من خير أو شرّ .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما توعدون من الجنة والنار . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا النضر ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : وَما تُوعَدُونَ قال : الجنة والنار .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان وَما تُوعَدُونَ من الجنة .
وأولى القولين بالصواب في ذلك عندي ، القول الذي قاله مجاهد ، لأن الله عمّ الخبر بقوله : وَما تُوعَدُونَ عن كلّ ما وعدنا من خير أو شرّ ، ولم يخصص بذلك بعضا دون بعض ، فهو على عمومه كما عمه الله جلّ ثناؤه .
بعد أن ذكر دلائل الأرض ودلائل الأنفس التي هم من علائِق الأرض عُطف ذكر السماء للمناسبة ، وتمهيداً للقَسم الذي بعده بقوله : { فوربِّ السماء والأرض إنه لحق } [ الذاريات : 23 ] . ولما في السماء من آية المطر الذي به تنبت الأرض بعد الجفاف ، فالمعنى : وفي السماء آية المطر ، فعدل عن ذكر المطر إلى الرزق إدماجاً للامتنان في الاستدلال فإن الدليل في كونه مطراً يحيي الأرض بعد موتها . وهذا قياس تمثيل للنبت ، أي في السماء المطر الذي ترزقون بسببه .
فالرزق : هو المطر الذي تحمله السحب والسماء هنا : طبقات الجو . وتقديم المجرور على متعلقه للتشويق وللاهتمام بالمكان وللردّ على الفاصلة .
وعَطف { وما توعدون } إدماج بين أدلة إثبات البعث لقصد الموعظة الشاملة للوعيد على الإشراك والوعد على الإيمان إن آمنوا تعجيلاً بالموعظة عند سنوح فرصتها .
وفي إيثار صيغة { تُوعَدون } خصوصية من خصائص إعجاز القرآن ، فإن هذه الصيغة صالحة لأن تكون مصوغة من الوعد فيكون وزن { توعدون } تفعلون مضارع وعَد مبنياً للنائب . وأصله قبل البناء للنائب تَعدون وأصله تَوْعَدُون ، فلما بني للنائب ضُمّ حرف المضارعة فصارت الواو الساكنة مَدة مجانسة للضمة فصار : تُوعدون . وصالحة لأن تكون من الإيعاد ووَزنه تأفْعَلُون مثل تصريف أكرم يكرم وبذلك صار { توعدون } مثل تُكرمَون ، فاحتملت للبشارة والإنذار .
وكون ذلك في السماء يجوز أن يكون معناه أنه محقق في علم أهل السماء ، أي الملائكة الموكلين بتصريفه . ويجوز أن يكون المعنى : أن مَكان حصوله في السماء ، من جنة أو جهنم بناء على أن الجنة وجهنم موجودتان من قبل يوم القيامة ، وفي ذلك اختلاف لا حاجة إلى ذكره . وفيه إيماء إلى أن ما أوعدوه يأتيهم من قِبَل السماء كما قال تعالى : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم } [ الدخان : 10 ، 11 ] . فإن ذلك الدخان كان في طبقات الجو كما تقدم في سورة الدخان .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم قال: {وفي السماء رزقكم} يعني المطر {وما توعدون} في أمر الساعة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وفي السّماءِ رِزْقُكُمْ "يقول تعالى ذكره: وفي السماء: المطر والثلج اللذان بهما تخرج الأرض رزقكم، وقوتكم من الطعام والثمار وغير ذلك...
واختلف أهل التأويل في تأويل، قوله: "وَما تُوعَدُونَ"؛
فقال بعضهم: معنى ذلك: وما توعدون من خير، أو شرّ... [عن مجاهد].
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما توعدون من الجنة والنار...
وأولى القولين بالصواب في ذلك عندي، القول الذي قاله مجاهد، لأن الله عمّ الخبر بقوله: "وَما تُوعَدُونَ" عن كلّ ما وعدنا من خير أو شرّ، ولم يخصص بذلك بعضا دون بعض، فهو على عمومه كما عمه الله جلّ ثناؤه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
المطر وجميع ما سخّر لنا فيها من الشمس والقمر والملائكة حين جعل صلاح ما في الأرض جميعا من الأرزاق والأغذية بتلك الأشياء التي في السماء من الإنضاج بالشمس والقمر وحفظ الأرزاق والأمطار بالملائكة؛ فإنهم جُعلوا مُوكّلين مُمتحَنين... {وما توعدون} كل موعود مرغوب أو مرهوب من السماء...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و {توعدون} يحتمل أن يكون من الوعد، ويحتمل أن يكون من الوعيد، والكل في السماء...
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
{وفي السماء رزقكم} أسباب رزقكم أو تقديره.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وفي السماء} أي جهة العلو {رزقكم} بما يأتي من المطر والرياح والحر والبرد وغير ذلك مما رتبه سبحانه لمنافع العباد {وما توعدون} وجميع ما أتتكم به الرسل من الوعد والوعيد والصعقة والزلزال وغير ذلك من الأهوال وموجبات النكال، وكذا الرحمة والخير والنعمة وكل ما يتعلق به الآمال...
ومن المعنى أيضاً أنك لا تشتغل برزق فإنه في السماء، ولا سبيل لك إلى العروج إليها، واشتغل بما كلفته من الخدمة لمن عنده الرزق ففي السماء الرزق وإليها يرفع العمل، فإن أردت أن ينزل إليك رزقك فأصعد إليها الصالح من عملك، ولهذا قالوا: الصلاة فرع باب الرزق {واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك}.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} أي مادة رزقكم، من الأمطار، وصنوف الأقدار، الرزق الديني والدنيوي، {وَمَا تُوعَدُونَ} من الجزاء في الدنيا والآخرة، فإنه ينزل من عند الله، كسائر الأقدار...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهي لفتة عجيبة. فمع أن أسباب الرزق الظاهرة قائمة في الأرض، حيث يكد فيها الإنسان ويجهد، وينتظر من ورائها الرزق والنصيب. فإن القرآن يرد بصر الإنسان ونفسه إلى السماء. إلى الغيب. إلى الله. ليتطلع هناك إلى الرزق المقسوم والحظ المرسوم. أما الأرض وما فيها من أسباب الرزق الظاهرة، فهي آيات للموقنين. آيات ترد القلب إلى الله ليتطلع إلى الرزق من فضله؛ ويتخلص من أثقال الأرض...فرزقه مقدر في السماء، وما وعده الله لا بد أن يكون...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
أي في السماء المطر الذي ترزقون بسببه. فالرزق: هو المطر الذي تحمله السحب والسماء هنا: طبقات الجو. وتقديم المجرور على متعلقه للتشويق وللاهتمام بالمكان وللردّ على الفاصلة. وعَطف {وما توعدون} إدماج بين أدلة إثبات البعث لقصد الموعظة الشاملة للوعيد على الإشراك والوعد على الإيمان إن آمنوا تعجيلاً بالموعظة عند سنوح فرصتها.