المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{سَلَٰمٞ قَوۡلٗا مِّن رَّبّٖ رَّحِيمٖ} (58)

58- يقال لهم : سلام قولاً صادراً من رب رحيم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{سَلَٰمٞ قَوۡلٗا مِّن رَّبّٖ رَّحِيمٖ} (58)

ولهم أيضا { سَلَامٌ } حاصل لهم { مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } ففي هذا كلام الرب تعالى لأهل الجنة وسلامه عليهم ، وأكده بقوله : { قَوْلًا } وإذا سلم عليهم الرب الرحيم ، حصلت لهم السلامة التامة من جميع الوجوه ، وحصلت لهم التحية ، التي لا تحية أعلى منها ، ولا نعيم مثلها ، فما ظنك بتحية ملك الملوك ، الرب العظيم ، الرءوف الرحيم ، لأهل دار كرامته ، الذي أحل عليهم رضوانه ، فلا يسخط عليهم أبدا ، فلولا أن اللّه تعالى قدر أن لا يموتوا ، أو تزول قلوبهم عن أماكنها من الفرح والبهجة والسرور ، لحصل ذلك .

فنرجو ربنا أن لا يحرمنا ذلك النعيم ، وأن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{سَلَٰمٞ قَوۡلٗا مِّن رَّبّٖ رَّحِيمٖ} (58)

وقوله : سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبّ رَحِيمٍ في رفع سلامٌ وجهان في قول بعض نحوييّ الكوفة أحدهما : أن يكون خبرا لما يدّعون ، فيكون معنى الكلام : ولهم ما يدّعون مسلّم لهم خالص . وإذا وُجّه معنى الكلام إلى ذلك كان القول حينئذٍ منصوبا توكيدا خارجا من السلام ، كأنه قيل : ولهم فيها ما يدّعون مسلّم خالص حقا ، كأنه قيل : قاله قولاً . والوجه الثاني : أن يكون قوله : سَلامٌ مرفوعا على المدح ، بمعنى : هو سلام لهم قولاً من الله . وقد ذُكر أنها في قراءة عبد الله : «سَلاما قَوْلاً » على أن الخبر متناه عند قوله : وَلَهُمْ ما يَدّعُونَ ، ثم نصب سلاما على التوكيد ، بمعنى : مسلما قولاً . وكان بعضُ نحوييّ البصرة يقول : انتصب قولاً على البدل من اللفظ بالفعل ، كأنه قال : أقول ذلك قولاً . قال : ومن نصبها نصبها على خبر المعرفة على قوله : وَلهُمْ فِيها ما يَدّعُونَ .

والذي هو أولى بالصواب على ما جاء به الخبر عن محمد بن كعب القُرَظيّ ، أن يكون سَلامٌ خبرا لقوله : وَلَهُمْ ما يَدّعُونَ فيكون معنى ذلك : ولهم فيها ما يدّعون ، وذلك هو سلام من الله عليهم ، بمعنى : تسليم من الله ، ويكون سلام ترجمة ما يدّعون ، ويكون القول خارجا من قوله : سلام . وإنما قلت ذلك أولى بالصواب لما :

حَدّثنا به إبراهيم بن سعيد الجوهريّ ، قال : حدثنا أبو عبد الرحمن المقري عن حرملة ، عن سليمان بن حميد ، قال : سمعت محمد بن كعب ، يحدّث عمر بن عبد العزيز ، قال : إذا فرغ الله من أهل الجنة وأهل النار ، أقبل يمشي في ظُلَل من الغمام والملائكة ، فيقف على أوّل أهل درجة ، فيسلم عليهم ، فيردّون عليه السلام ، وهو في القرآن : سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبّ رَحِيمٍ فيقول : سَلُوا ، فيقولون : ما نسألك وعزّتك وجلالك ، لو أنك قسمت بيننا أرزاق الثّقَلين لأطعمناهم وسقيناهم وكسوناهم ، فيقول : سَلُوا ، فيقولون : نسألك رضاك ، فيقول : رضائي أحلّكم دار كرامتي ، فيفعل ذلك بأهل كلّ درجة حتى ينتهي ، قال : ولو أن امرأة من الحُور العِين طلعت لأطفأ ضوء سِوارَيْها الشمس والقمر ، فكيف بالمُسَوّرة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا حرملة ، عن سليمان بن حميد ، قال : سمعت محمد بن كعب القرظيّ يحدّث عمر بن عبد العزيز ، قال : إذا فرغ الله من أهل الجنة والنار ، أقبل في ظُلَل من الغمام والملائكة ، قال : فيسلم على أهل الجنة ، فيردُون عليه السلام ، قال القُرظيّ : وهذا في كتاب الله : سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبّ رَحِيمٍ ؟ فيقول : سَلُوني ، فيقولون : ماذا نسألك ، أي رَبّ ؟ قال : بل سلوني قالوا : نسألك أي ربّ رضاك ، قال : رضائي أحلكم دار كرامتي ، قالوا : يا ربّ وما الذي نسألك فوعزّتك وجلالك ، وارتفاع مكانك ، لو قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم ، ولأسقيناهم ، ولألبسناهم ولأخدمناهم ، لا يُنقصنا ذلك شيئا ، قال : إن لديّ مزيدا ، قال : فيفعل الله ذلك بهم في درجهم حتى يستوي في مجلسه ، قال : ثم تأتيهم التحف من الله تحملها إليهم الملائكة . ثم ذكر نحوه .

حدثنا ابن سنان القزاز ، قال : حدثنا أبو عبد الرحمن ، قال : حدثنا حرملة ، قال : حدثنا سليمان بن حميد ، أنه سمع محمد بن كعب القرظي يحدّث عمر بن عبد العزيز ، قال : إذا فرغ الله من أهل الجنة وأهل النار ، أقبل يمشي في ظُلل من الغمام ويقف ، قال : ثم ذكر نحوه ، إلا أنه قال : فيقولون : فماذا نسألك يا ربّ ، فوعزّتك وجلالك وارتفاع مكانك ، لو أنك قسمت علينا أرزاق الثقلين ، الجنّ والإنس ، لأطعمناهم ، ولسقيناهم ، ولأخدمناهم ، من غير أن ينتقص ذلك شيئا مما عندنا ، قال : بلى فسلوني ، قالوا : نسألك رضاك ، قال : رضائي أحلّكم دار كرامتي ، فيفعل هذا بأهل كلّ درجة ، حتى ينتهي إلى مجلسه . وسائر الحديث مثله .

فهذا القول الذي قاله محمد بن كعب ، ينبىء عن أن «سلام » بيان عن قوله : ما يَدّعُونَ ، وأن القول خارج من السلام . وقوله : مِنْ رَبّ رَحِيمٍ يعني : رحيم بهم إذ لم يعاقبهم بما سلف لهم من جُرْم في الدنيا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{سَلَٰمٞ قَوۡلٗا مِّن رَّبّٖ رَّحِيمٖ} (58)

وقوله : { سلام } بدل منها أو صفة أخرى ، ويجوز أن يكون خبرها أو خبر محذوف أو مبتدأ محذوف الخبر أي ولهم سلام ، وقرئ بالنصب على المصدر أو الحال أي لهم مرادهم خالصا . { قولا من رب رحيم } أي يقول الله أو يقال لهم قولا كائنا من جهته ، والمعنى أن الله يسلم عليهم بواسطة الملائكة أو بغير واسطة تعظيما لهم وذلك مطلوبهم ومتمناهم ، ويحتمل نصبه على الاختصاص .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{سَلَٰمٞ قَوۡلٗا مِّن رَّبّٖ رَّحِيمٖ} (58)

وقوله تعالى : { سلام } قيل : هي صفة لما أي مسلم لهم وخالص{[9800]} ، وقيل : هو ابتداء{[9801]} ، وقيل ؛ هو خبر ابتداء{[9802]} ، وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب وعيسى الثقفي والغنوي «سلاماً » بالنصب على المصدر ، وقرأ محمد بن كعب القرطبي «سلم » وهو بمعنى سلام ، و { قولاً } نصب على المصدر .


[9800]:قال أبو حيان في البحر:"ولا يصح إن كانت(ما) بمعنى الذي؛ لأنها تكون إذ ذاك معرفة، و(سلام) نكرة، ولا تنعت المعرفة بالنكرة، فإن كانت(ما) نكرة موصوفة جاز، إلا أنه لا يكون فيه عموم كالحها بمعنى الذي.
[9801]:والخبر فعل مقدر ناصب لقوله:(قولا)، والتقدير: سلام يقال قولا من رب رحيم، أو يكون: عليكم محذوفا، والتقدير: سلام عليكم قولا من رب رحيم.
[9802]:يرى الزمخشري أن:{سلام قولا} بدل من {ما يدعون}، كأنه قال لهم: سلام يقال لهم قولا من جهة رب رحيم، والمعنى أن الله تعالى يسلم عليهم بوساطة الملائكة أو بغير وساطة مبالغة في تعظيمهم، وذلك متمناهم، ولهم ذلك لا يمنعونه. قال أبو حيان:"وإذا كان[سلام] بدلا من{ما يدعون} كان{ما يدعون} خصوصا، والظاهر انه عموم في كل ما يدعون، وإذا كان عموما لم يكن[سلام] بدلا منه"، وقيل:[سلام] خبر لـ{ما يدعون}، و{ ما يدعون} مبتدأ، والمعنى: ولهم ما يدعون سلام خالص".