الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{سَلَٰمٞ قَوۡلٗا مِّن رَّبّٖ رَّحِيمٖ} (58)

ثم تبتدئ : " سلام " على معنى ذلك لهم سلام . ويجوز أن يرفع السلام على معنى ولهم ما يدعون مسلّم خالص . فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على " ما يدعون " . وقال الزجاج : " سلام " مرفوع على البدل من " ما " أي ولهم أن يسلم الله عليهم ، وهذا مُنَى أهل الجنة . وروي من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب تعالى قد اطلع عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة فذلك قوله : " سلام قولا من رب رحيم " . فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركاته عليهم في ديارهم ) ذكره الثعلبي والقشيري . ومعناه ثابت في صحيح مسلم ، وقد بيناه في " يونس " {[13230]} عند قوله تعالى : " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة " [ يونس : 26 ] . ويجوز أن تكون " ما " نكرة ، و " سلام " نعتا لها ، أي ولهم ما يدعون مسلّم . ويجوز أن تكون " ما " رفع بالابتداء ، و " سلام " خبر عنها . وعلى هذه الوجوه لا يوقف على " ولهم ما يدعون " . وفي قراءة ابن مسعود " سلاما " يكون مصدرا ، وإن شئت في موضع الحال ، أي ولهم ما يدعون ذا سلام أو سلامة أو مسلما ، فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على " يدعون " وقرأ محمد بن كعب القرظي " سِلم " على الاستئناف كأنه قال : ذلك سلم لهم لا يتنازعون فيه . ويكون " ولهم ما يدعون " تاما . ويجوز أن يكون " سلام " بدلا من قوله : " ولهم ما يدعون " ، وخبر " ما يدعون " " لهم " . ويجوز أن يكون " سلام " خبرا آخر ، ويكون معنى الكلام أنه لهم خالص من غير منازع فيه . " قولا " مصدر على معنى قال الله ذلك قولا . أو بقوله قولا ، ودل على الفعل المحذوف لفظ مصدره . ويجوز أن يكون المعنى ولهم ما يدعون قولا ، أي عدة من الله . فعلى هذا المذهب الثاني لا يحسن الوقف على " يدعون " . وقال السجستاني : الوقف على قوله : " سلام " تام ، وهذا خطأ لأن القول خارج مما قبله .


[13230]:راجع ج 8 ص 330 طبعة أولى أو ثانية.