المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيۡطَٰنٖ مَّرِيدٖ} (3)

3- ومع هذا التحذير الشديد الصادق ، فإن بعض الناس دفعه العناد - أو التقليد - إلى الجدل في الله وصفاته فأثبت له الشركاء ، أو أنكر قدرته على البعث ومجازاة الناس على أعمالهم ، غير مستند في جدله وإنكاره إلى علم صحيح أو حجة صادقة ، ولكنه يقلد ويتبع خطوات كل شيطان متمرد على ربه بعيد عن هديه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيۡطَٰنٖ مَّرِيدٖ} (3)

{ 3 - 4 } { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ }

أي : ومن الناس طائفة وفرقة ، سلكوا طريق الضلال ، وجعلوا يجادلون بالباطل الحق ، يريدون إحقاق الباطل وإبطال الحق ، والحال أنهم في غاية الجهل ما عندهم من العلم شيء ، وغاية ما عندهم ، تقليد أئمة الضلال ، من كل شيطان مريد ، متمرد على الله وعلى رسله ، معاند لهم ، قد شاق الله ورسوله ، وصار من الأئمة الذين يدعون إلى النار .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيۡطَٰنٖ مَّرِيدٖ} (3)

وبعد هذا الافتتاح الذى يغرس الخوف فى النفوس ، ويحملها على تقوى الله وخشيته ، ساقت السورة حال نوع من الناس يجادل بالباطل ، ويتبع خطوات الشيطان ، فقال - تعالى - : { وَمِنَ الناس . . } .

و { مِنَ } فى قوله { وَمِنَ الناس } للتبعيض . وقوله { يُجَادِلُ } من الجدال بمعنى المفاوضة على سبيل المنازعة والمخاصمة والمغالبة ، مأخوذ من جدلت الحبل . أى : أحكمت فتله ، كأن المتجادلين يحاول كل واحد منهما أن يقوى رأيه ، ويضعف رأى صاحبه .

والمراد بالمجادلة فى الله : المجادلة فى ذاته وصفاته وتشريعاته .

وقوله : { بِغَيْرِ عِلْمٍ } حال من الفاعل فى يجادل . وهى حال موضحة لما تشعر به المجادلة هنا من الجهل والعناد .

أى : ومن الناس قوم استولى عليهم الجهل والعناد ، لأنهم يجادلون وينازعون فى ذات الله وصفاته ، وفى وحيه وفى أحكامه بغير مستند من علم عقلى أو نقلى ، وبغير دليل أو ما يشبه الدليل .

وقوله - سبحانه - { وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } معطوف على ما قبله . والمريد والمتمرد : البالغ أقصى الغاية فى الشر والفساد ، يقال : مرد فلان على كذا - من باب نصر وظرف - إذا عتا وتجبر واستمر على ذلك .

وأصل المادة للملاسة والتجرد ، ومنه قولهم : شجرة مرداء أى ملساء لا ورق لها . وغلام أمرد . أى : لم ينبت فى ذقنه شعر . . .

أى : يجادل فى ذات الله وصفاته بغير علم يعلمه ، ويتبع فى جداله وتطاوله وعناده ، كل شيطان عاد عن الخير ، متجرد للفساد ، لا يعرف الحق أو الصلاح ، ولا هما يعرفانه ، وإنما هو خالص للشر والغى والمنكر من القول والفعل .

وتقييد الجدال بكونه بغير علم ، يفهم منه أن الجدال بعلم لإحقاق الحق وإبطال الباطل ، سائغ محمود ، ولذا قال الإمام الفخر الرازى : " هذه الآية بمفهومها تدل على جواز المجادلة الحقة ، لأن تخصيص المجادلة مع عدم العلم بالدلائل ، يدل على أن المجادلة مع العلم جائزة " ، فالمجادلة الباطلة هى المرادة من قوله - تعالى - : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً . . . } والمجادلة الحقة هى المرادة من قوله : { وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ . . }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيۡطَٰنٖ مَّرِيدٖ} (3)

يقول تعالى ذامًّا لمن كذب بالبعث ، وأنكر قدرة الله على إحياء الموتى ، معرضا عما أنزل الله على أنبيائه ، متبعًا في قوله وإنكاره وكفره كل شيطان مريد ، من الإنس والجن ، وهذا حال أهل الضلال{[19997]} والبدع ، المعرضين عن الحق ، المتبعين للباطل ، يتركون ما أنزله الله على رسوله من الحق المبين ، ويتبعون أقوال رءوس الضلالة ، الدعاة إلى البدع بالأهواء والآراء ، ولهذا قال في شأنهم وأشباههم : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } ، أي : علم صحيح ، { وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ }


[19997]:- في ت : "الضلالة".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيۡطَٰنٖ مَّرِيدٖ} (3)

عطف على جملة { ياأيها الناس اتقوا ربكم } [ الحج : 1 ] ، أي الناس فريقان : فريق يمتثل الأمر فيتقي الله ويخشى عذابه ، وفريق يعرض عن ذلك ويعارضه بالجدل الباطِل في شأن الله تعالى من وحدانيته وصفاته ورسالته . وهذا الفريق هم أيمة الشرك وزعماء الكفر لأنهم الذين يتصدّون للمجادلة بما لهم من أغاليط وسفسطة وما لهم من فصاحة وتمويه .

والاقتصارُ على ذكرهم إيماء إلى أنهم لولا تضليلهم قومَهم وصدهم إياهم عن متابعة الدين لاتّبع عامة المشركين الإسلام لظهور حجته وقبولها في الفطرة .

وقيل : أريد ب { من يجادل في الله } النضر بن الحارث أو غيره كما سيأتي ، فتكون ( مَن ) الموصولة صادقة على متعدد عامة لكل مَن تصدق عليه الصلة .

والمجادلة : المخاصمة والمحاجّة . والظرفية مجازية ، أي يجادل جدلاً واقعاً في شأن الله . ووصف الجدل بأنه بغير علم ، أي جدلاً ملتبساً بمغايرة العلم ، وغير العلم هو الجهل ، أي جدلاً ناشئاً عن سوء نظر وسوء تفكير فلا يعلم ما تقتضيه الألوهية من الصفات كالوحدانية والعلم وفعل ما يشاء .

واتباع الشيطان : الانقياد إلى وسوسته التي يجدها في نفسه والتي تلقاها بمعتاده والعمل بذلك دون تردد ولا عَرض على نظر واستدلال .

وكلمة ( كل ) في قوله { كل شيطان } مستعملة في معنى الكثرة . كما سيأتي قريباً عند قوله تعالى : { وعلى كل ضامر } [ الحج : 27 ] في هذه السورة . وتقدم في تفسير قوله تعالى : { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك } في [ سورة البقرة : 145 ] .

والمَرِيد : صفة مُشبهة مِن مَرُد بضم الراء على عمل ، إذا عتا فيه وبلغ الغاية التي تتجاوز ما يكون عليه أصحاب ذلك العمل ، وكأنه مُحول مِن مَرَد بفتح الراء بمعنى مَرَن إلى ضم الراء للدلالة على أن الوصف صار له سجية ، فالمريد صفة مشبهة ، أي العاتي في الشيطنة .