{ 19 - 23 } { وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
أي : أمر اللّه تعالى آدم وزوجته حواء ، التي أنعم اللّه بها عليه ليسكن إليها ، أن يأكلا من الجنة حيث شاءا ويتمتعا فيها بما أرادا ، إلا أنه عين لهما شجرة ، ونهاهما عن أكلها ، واللّه أعلم ما هي ، وليس في تعيينها فائدة لنا . وحرم عليهما أكلها ، بدليل قوله : { فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ }
ثم حكى القرآن ما أمر الله - تعالى - به آدم فقال : { وَيَآءَادَمُ اسكن . . . } .
صدر الكلام بالنداء للتنبيه على الاهتمام بالمأمور به ، وتخصيص الخطاب بآدم - عليه السلام - للإيذان بأصالته بالتلقى وتعاطى المأمور به .
وقوله : { اسكن } من السكنى وهو اللبث والإقامة والاستقرار ، دون السكون الذي هو ضد الحركة .
والزوج . يطلق على الرجل والمرأة . والمراد به هنا حواء ، حيث تقول العرب للمرأة زوج ولا تكاد تقول زوجة .
والجنة : هى كل بستان ذى شجر متكاثف ملتف الأغصان ، يظلل ما تحته ويستره من الجن وهو ستر الشىء عن الحواس .
وجمهور أهل السنة على أن المراد بها هنا دار الثواب التي أعدها الله للمؤمنين يوم القيامة ، لأن هذا هو المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق .
ويرى جمهور علماء المعتزلة أن المراد بها هنا بستان بمكان مرتفع من الأرض ، خلقه الله لاسكان آدم وزوجته . واختلفوا في مكانه ، فقيل انه بفلسطين ، وقيل بغيرها .
وقد ساق ابن القيم في كتابه " حادى الأرواح " أدلة الفريقين دون أن يرجح شيئا منها .
والذى نراه أن الأحوط والأسلم . الكف عن تعيينها وعن القطع به ، وإليه ذهب أبو حنيفة وأبو منصور الماتريدى في التأويلات ، إذ ليس لهذه المسألة تأثير في العقيدة .
وتوجيه الخطاب إليهما في قوله : { فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا } لتعميم التشريف والإيذان بتساويهما في مباشرة المأمور به . أى : كلا من مطاعم الجنة وثمارها أكلا واسعا من أى مكان أردتم .
ثم بين - سبحانه - أنه نهاهم عن الأكل من شجرة معينة فقال : { وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة فَتَكُونَا مِنَ الظالمين } .
القرب : الدنو والمنهى عنه هو الأكل من ثمار الشجرة . وتعليق النهى على القرب منها القصد منه المبالغة في النهى عن الأكل ، إذى في النهى عن القرب من الشىء نهى عن فعله من باب أولى . وأكد النهى بأن جعل عدم اجتناب الأكل من الشجرة ظلما . فقال : { فَتَكُونَا مِنَ الظالمين } وقد ظلما أنفسهما إذ أكلا منها ، فقد ترتب على أكلهما منها أن أخرجا من الجنة التي كانا يعيشان فيها عيشة راضية .
وقد تكلم العلماء كثيرا عن اسم هذه الشجرة ونوعها فقيل هى التينة ، وقيل هى السنبلة ، وقيل هى الكرمة . . . إلخ إلا أن القرآن لم يذكر نوعها على عادته في عدم التعرض لذكر ما لم يدع المقصود من سياق القصة إلى بيانه .
وقد أحسن ابن جرير في التعبير عن هذا المعنى فقال : " والصواب في ذلك أن يقال : إن الله - تعالى - نهى آدم وزوجه عن الأكل من شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر اشجارها فأكلا منها ، ولا علم عندنا بأى شجرة كانت على التعيين ، لأن الله لم يضع لعباده دليلا على ذلك في القرآن ولا من السنة الصحيحة ، وقد قيل كانت شجرة البر ، وقيل شجرة العنب ، وذلك علم إذا علم لم ينفع العالم به علمه ، وان جهله جاهل لم يضره جهله به " .
يذكر تعالى أنه أباح لآدم ، عليه السلام ، ولزوجته [ حواء ]{[11616]} الجنة أن يأكلا منها من جميع ثمارها إلا شجرة واحدة . وقد تقدم الكلام على ذلك في " سورة البقرة " ، فعند ذلك حسدهما الشيطان ، وسعى في المكر والخديعة والوسوسة ليُسلبا{[11617]} ما هما فيه من النعمة واللباس الحسن ، وقال كذبا وافتراء : ما نهاكما ربكما عن أكل{[11618]} الشجرة إلا لتكونا ملكين أي : لئلا تكونا ملكين ، أو خالدين هاهنا ولو أنكما أكلتما منها لحصل لكما ذلكما{[11619]} كقوله : { قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى } [ طه : 120 ] أي : لئلا تكونا ملكين ، كقوله : { يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } [ النساء : 176 ] أي : لئلا تضلوا ، { وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ } [ النحل : 15 ] أي : لئلا تميد بكم .
وكان ابن عباس ويحيى بن أبي كثير يقرآن : { إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ } بكسر اللام . وقرأه الجمهور بفتحها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.