النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَيَـٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ فَكُلَا مِنۡ حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (19)

قوله عز وجل : { وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزُوْجُكَ الْجَنَّةَ } يعني حوّاء ، وفي الجنة التي أمر بسكناها قولان :

أحدهما : في جنة الخلد التي وعد المتقون ، وجاز الخروج منها لأنها لم تجعل ثواباً فيخلد فيها ولا يخرج منها .

والثاني : أنها جنة من جنات الدنيا لا تكليف فيها وقد كان مكلفاً .

{ فَكُلاَ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتَمُا } يحتمل وجهين :

أحدهما : من حيث شئتما من الجنة كلها . والثاني : ما شئتما من الثمار كلها لأن المستثنى بالنهي لمَّا كان ثمراً كان المأمور به ثمراً .

{ وَلاَ تَقَْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ } قد ذكرنا{[1044]} اختلاف الناس فيها على ستة أقاويل :

أحدها : أنه البُرّ ، قاله ابن عباس . والثاني : الكَرْم ، قاله السدي . والثالث : التين ، قاله ابن جريج . والرابع : شجرة الكافور ، قاله علي بن أبي طالب . والخامس : شجرة العلم ، قاله الكلبي . والسادس : أنها شجرة الخلد التي كانت تأكل منها الملائكة ، قاله ابن جدعان .

وحكى محمد بن إسحاق عن أهل الكتابين أنها شجرة الحنظل ولا أعرف لهذا وجهاً{[1045]} .

فإذا قيل : فما وجه نهيهما عن ذلك مع كمال معرفتهما ؟

قيل : المصلحة في استدامة ، المعرفة ، والابتلاء بما يجِب فيه الجزاء .


[1044]:ذكر ذلك في تفسير الآية 35 من سورة البقرة غير أنه لم يذكر هناك القولين الرابع والخامس.
[1045]:سقط من ق. وورد في ك. وقد تركنا سطرا هنا لأنه مضطرب لكن فحواه أنهم قالوا أن الشجرة من الحنظل للدلالة على مرارة أحوال الدنيا.