الآية 19 وقوله تعالى : { ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما } كان السكون في موضع من القرار فيه والأمن كقوله تعالى : { جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا } [ القصص : 73 ] لتقرّوا فيه ، وتأمنوا . فقوله تعالى لآدم : { اسكن أنت وزوجك الجنة } أسكنهما عز وجل ليقرّا{[8145]}فيها ، ويأمنا{[8146]} من كل [ ما ينغّص عليهما ]{[8147]} تلك النعم التي أنعم عليهما{[8148]} لأن الخوف مما ينغّص{[8149]} النعم ، ويذهب بلذتها .
فلما أسكنهما عز وجل الجنة أمّنهما عن ذلك كله .
ثم فيه أن أوّل المحنة والابتلاء من الله تعالى لعباده إنما يكون بالإنعام والإفضال عليهم ثم الجزاء والعدل لسوء ما ارتكبوا ؛ لأنه عز وجل امتحن آدم بالإفضال والإنعام عليه حين{[8150]} أسجد ملائكته له ، وأسكنه جنته ، ووسّع{[8151]} عليه نعمه ، ثم امتحنه بالشدائد وأنواع المشقة وجزاء ما ارتكبا{[8152]} من التناول من الشجرة التي نهاهما{[8153]} عن قربها . فهو ما ذكرنا أن شرط امتحانه عباده في الابتداء يكون بالإفضال والإنعام ثم بالعدل والجزاء لسوء صنيعهم .
ألا ترى أنه قال : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } [ الشورى : 30 ] أخبر أن ما يصيبنا هو من كسب أيدينا ، وهو جزاء ما كسبنا . وفيه وفي غيرها من القصص [ الذي ذكر ]{[8154]} دليل إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوّته ؛ لأنه أخبر عما كان من غير أن اختلف إلى أحد ممّن{[8155]} يعرف ذلك ، ولا نظر في الكتب التي فيها دلّ أنه عرف ذلك بالله تعالى .
ثم اختلف أهل التأويل في الجنة التي أسكن عز وجل آدم فيها وزوجته ؛ قال بعضهم : هي الجنة التي يكون عود أهل الإسلام إليها في الآخرة ، ولهم وعد عز وجل تلك ، وقال بعضهم : هي جنة أنشأها لآدم ليسكن فيها في السماء ، ولكن لا ندري ما تلك الجنة ؟ وليس لنا إلى معرفة تلك الجنة حاجة ، إنما الحاجة إلى ما ذكر من المحن .
اختلفوا أيضا في الشجرة التي نهى آدم عن قربها : قال بعضهم : هي شجرة الحنطة ، وقد ذكرنا أقاويل أهل التأويل واختلافهم في صدر الكتاب{[8156]} قدر ما حفظناه .
وكذلك اختلفوا في وسوسة الشيطان لآدم وحوّاء : أنه كيف وسوس إليهما{[8157]} ؟ ومن أين كان ؟ وهذا أيضا قد ذكرناه في تلك القصة . والحسن يقول : إنما وسوس إليهما من الدنيا لا [ حين كانا في ]{[8158]} الجنة . وقال بعضهم : وسوس إليهما : من رأس الحية ومن فيها يكلّمهما{[8159]} .
وقوله تعالى : { ولا تقربا هذه الشجرة } لم يرد به الدّنّو منها ، ولكن أراد الذوق والأكل منها . ألا ترى أنه قال : { فلما ذاقا الشجرة } ؟ [ الأعراف : 22 ] دل أن النهي لم يكن للدّنوّ منها ، ولكن للذوق والأكل منها .
وفيه أن الامتحان من الله مرة يكون بالحل ومرة بالحرمة لأنه أذن له التّناول مما فيها من أنواع النعم .
وحرّم عليه التّناول من واحدة منها{[8160]} ، فذلك محنة منه .
ثم النهي عن التّناول من الشيء يخرّج على وجوه : أحدها : نهي بحق الحرمة لنفسه ، ونهي بحق إيثار الغير عليه ، ونهي عن التّناول منه لداء فيه وآفة ، ونهي لما يخرج التّناول منه{[8161]} بحق الجزاء ، فلم يكن بعد وقت الجزاء له .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.