تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَيَـٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ فَكُلَا مِنۡ حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (19)

الآية 19 وقوله تعالى : { ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما } كان السكون في موضع من القرار فيه والأمن كقوله تعالى : { جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا } [ القصص : 73 ] لتقرّوا فيه ، وتأمنوا . فقوله تعالى لآدم : { اسكن أنت وزوجك الجنة } أسكنهما عز وجل ليقرّا{[8145]}فيها ، ويأمنا{[8146]} من كل [ ما ينغّص عليهما ]{[8147]} تلك النعم التي أنعم عليهما{[8148]} لأن الخوف مما ينغّص{[8149]} النعم ، ويذهب بلذتها .

فلما أسكنهما عز وجل الجنة أمّنهما عن ذلك كله .

ثم فيه أن أوّل المحنة والابتلاء من الله تعالى لعباده إنما يكون بالإنعام والإفضال عليهم ثم الجزاء والعدل لسوء ما ارتكبوا ؛ لأنه عز وجل امتحن آدم بالإفضال والإنعام عليه حين{[8150]} أسجد ملائكته له ، وأسكنه جنته ، ووسّع{[8151]} عليه نعمه ، ثم امتحنه بالشدائد وأنواع المشقة وجزاء ما ارتكبا{[8152]} من التناول من الشجرة التي نهاهما{[8153]} عن قربها . فهو ما ذكرنا أن شرط امتحانه عباده في الابتداء يكون بالإفضال والإنعام ثم بالعدل والجزاء لسوء صنيعهم .

ألا ترى أنه قال : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } [ الشورى : 30 ] أخبر أن ما يصيبنا هو من كسب أيدينا ، وهو جزاء ما كسبنا . وفيه وفي غيرها من القصص [ الذي ذكر ]{[8154]} دليل إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوّته ؛ لأنه أخبر عما كان من غير أن اختلف إلى أحد ممّن{[8155]} يعرف ذلك ، ولا نظر في الكتب التي فيها دلّ أنه عرف ذلك بالله تعالى .

ثم اختلف أهل التأويل في الجنة التي أسكن عز وجل آدم فيها وزوجته ؛ قال بعضهم : هي الجنة التي يكون عود أهل الإسلام إليها في الآخرة ، ولهم وعد عز وجل تلك ، وقال بعضهم : هي جنة أنشأها لآدم ليسكن فيها في السماء ، ولكن لا ندري ما تلك الجنة ؟ وليس لنا إلى معرفة تلك الجنة حاجة ، إنما الحاجة إلى ما ذكر من المحن .

اختلفوا أيضا في الشجرة التي نهى آدم عن قربها : قال بعضهم : هي شجرة الحنطة ، وقد ذكرنا أقاويل أهل التأويل واختلافهم في صدر الكتاب{[8156]} قدر ما حفظناه .

وكذلك اختلفوا في وسوسة الشيطان لآدم وحوّاء : أنه كيف وسوس إليهما{[8157]} ؟ ومن أين كان ؟ وهذا أيضا قد ذكرناه في تلك القصة . والحسن يقول : إنما وسوس إليهما من الدنيا لا [ حين كانا في ]{[8158]} الجنة . وقال بعضهم : وسوس إليهما : من رأس الحية ومن فيها يكلّمهما{[8159]} .

وقوله تعالى : { ولا تقربا هذه الشجرة } لم يرد به الدّنّو منها ، ولكن أراد الذوق والأكل منها . ألا ترى أنه قال : { فلما ذاقا الشجرة } ؟ [ الأعراف : 22 ] دل أن النهي لم يكن للدّنوّ منها ، ولكن للذوق والأكل منها .

وفيه أن الامتحان من الله مرة يكون بالحل ومرة بالحرمة لأنه أذن له التّناول مما فيها من أنواع النعم .

وحرّم عليه التّناول من واحدة منها{[8160]} ، فذلك محنة منه .

ثم النهي عن التّناول من الشيء يخرّج على وجوه : أحدها : نهي بحق الحرمة لنفسه ، ونهي بحق إيثار الغير عليه ، ونهي عن التّناول منه لداء فيه وآفة ، ونهي لما يخرج التّناول منه{[8161]} بحق الجزاء ، فلم يكن بعد وقت الجزاء له .


[8145]:في الأصل وم: ليقرّوا.
[8146]:في الأصل وم: ويأمنوا.
[8147]:في الأصل: ينقصهما.
[8148]:في الأصل: عليها.
[8149]:في الأصل: ينقص.
[8150]:في الأصل: حيث.
[8151]:الواو ساقطة من الأصل.
[8152]:في الأصل: ارتكبوا.
[8153]:في الأصل: نهاه.
[8154]:في الأصل: الذكر.
[8155]:في الأصل: من.
[8156]:في تفسير الآية (35) من سورة البقرة.
[8157]:في الأصل: إليه.
[8158]:في الأصل: أن كان دخل.
[8159]:في الأصل: بكلهما.
[8160]:في الأصل: منهما.
[8161]:في الأصل: منهما