إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَيَـٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ فَكُلَا مِنۡ حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (19)

{ وَ يَا آدَمَ } أي وقلنا كما وقع في سورة البقرة ، وتصديرُ الكلامِ بالنداء للتنبيه على الاهتمام بتلقّي المأمورِ به ، وتخصيصُ الخطابِ به عليه السلام للإيذان بأصالته في تلقي الوحي وتعاطي المأمور به { اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة } هو من السكَن الذي هو عبارةٌ عن اللَّبْثِ والاستقرارِ والإقامةِ لا من السكون الذي هو ضدُّ الحركة ، وأنت ضميرٌ أُكّد به المستكنُّ ليصحَّ العطفُ عليه ، والفاءُ في قوله تعالى : { فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا } لبيان المرادِ مما في سورة البقرة من قوله تعالى : { وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا } [ البقرة : 35 ] من أن ذلك كان جمعاً مع الترتيب ، وقوله تعالى : { مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا } في معنى منها حيث شئتما ، ولم يُذكر هاهنا ( رَغَداً ) ثقةً بما ذكر هناك ، وتوجيهُ الخطابِ إليهما لتعميم التشريفِ والإيذانِ بتساويهما في مباشرة المأمورِ به فإن حوّاءَ أُسوةٌ له عليه السلام في حق الأكلِ بخلاف السكنِ فإنها تابعةٌ له فيه ولتعليق النهي بها صريحاً في قوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة } وقرئ هذي وهو الأصلُ لتصغيره على ذَيّا والهاءُ بدلٌ من الياء { فَتَكُونَا مِنَ الظالمين } إما جزمٌ على العطف أو نصبٌ على الجواب .