اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيَـٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ فَكُلَا مِنۡ حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (19)

قد تقدَّم الكلامُ على هذه الآيةِ في سورة البقرةِ ، بقي الكلامُ هنا على حَرْفٍ واحد وهو قوله تعالى في سُورةِ البقرة : { وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً } [ البقرة : 35 ] بالواو ، وقال ههنا بالفَاءِ ، والسَّبَبُ فيه من وجهين :

الأول : أنَّ الواو تفيد الجمع المطلق{[15893]} والفاء تفيد الجمع على سبيل التَّعْقِيبِ ،

فالمَفْهُوم من الفاء نوع داخل تحت المفهوم من الواو ، ولا مُنَافَاةَ بين النَّوْعِ والجِنْسِ ، ففي سورة البقرة ذكر الجِنْسَ ، وفي سُورةِ الأعْرَافِ ذكر النَّوْعَ .

الثاني : وقال في البقرة : " رغداً " وهو ههنا محذوف لدلالة الكلام عليه .


[15893]:الواو تنقسم إلى أحد عشر قسما:الواو العاطفة وهي لمطلق الجمع، ولا تدل على ترتيب ولا معية فإذا قلت جاء زيد وعمرو، احتمل أن يكون مجيء عمرو بعد زيد، ويحتمل أن يكون قبله، ويحتمل أن يكون معه، قال ابن مالك: وكونها للمعية راجح وللترتيب كثير ولعكسه قليل. وقال الفراء، وقطرب، والربعي، وثعلب، وأبو عمر الزاهد، وهشام: تدل على الترتيب، ونسب ذلك إلى الشافعي. وأكثر الناس على الأول، حتى ادعى السيرافي : أن النحويين واللغويين أجمعوا على أنها لا تفيد الترتيب. قال ابن نور الدين: ولو أعلم أحدا من أهل اللسان والأصول قال: إنها للمعية إلا ما نقل عن إمام الحرمين في البرهان عن بعض الحنفية، نعم يحتمل الجمع والمعية في حال النفي، فإذا قلت : ما قام زيد وعمرو، احتمل نفي القيام عنها مطلقا، واحتمل نفي القيام في حال اجتماعهما معا، فإن أردت أن تخلصه للنفي أتيت بـ "لا" فقلت: ما قام زيد ولا عمرو، ومنه قوله تعالى: {وما أموالكم ولا أولادكم}. قال ابن نور الدين: مطلق الجمع، أحسن من قول بعضهم: للجمع مطلق، فإنه قيد الجمع بالإطلاق وهو يخرج مثل قوله تعالى: {إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين} فإن الواو لم تجمع بين الرد والرسالة جمعا مطلقا، ولو كان جمعا مطلقا لكانا معا، بل بينهما أربعون سنة، وإنما أفادت مطلق الجمع. وقد ترد العاطفة بعد ذلك لوجوه ثلاثة: أحدهما: أن تكون بمعنى: مع، كقولك: استوى الماء والخشبة ، وجاء البرد والطيالسة، قال الشاعر: فكنت وإياها كحران لم يفق *** عن الماءه إذ لاقاه حتى تقددا أي معها، ويلزم نصب الاسم المعطوف وحمل عليه قوله صلى الله عليه وسلم (بعثت والساعة كهاتين) وأشار إلى السبابة والإبهام. الثاني: أن تكون بمعنى أو، إما في التخيير أو في التقسيم أو في الإباحة، فأما التخيير فقاله بعضهم، وحمل عليه قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} المعنى: أو ثلاث أو رباع، وقال الشاعر: وقالوا نأت باختر لها الصبر والبكا *** ... قال: معناه: أو البكا، إذ لا يجتمع مع الصبر، وأجاب من رده: بأنه يحتمل أن يكون الأصل: فاختر من الصبر والبكا أحدهما، ثم حذف "من" كما في : {واختار موسى قومه} ويريده أن أبا علي القالب رواه : بـ "من". وأما التقسيم، فممن ذكره ابن مالك في التحفة، كقولك: الكلمة: اسم وفعل وحرف، وكقوله: كما الناس مجروم عليه وجارم *** ... قال ابن هشام: "والصواب أنها في ذلك على معناها الأصلي إذ الأنواع مجتمعة في الدخول تحت الجنس". وأما الإباحة فقاله الزمخشري، وزعم أنه يقال: جالس الحسن وابن سيرين أي أحدهما، وأنه لهذا قيل: {تلك عشرة كاملة} بعد ذكر ثلاثة وسبعة لئلا يتوهم إرادة التخيير وهذا فيه بعد. الثالث: أن تكون بمعنى الباء، كقولهم: متى أنت وبلادي؟ والمعنى: متى عهدك ببلادك؟ وكقولك بعت الشاء شاة ودرهم، والمعنى : شاة بدرهم إلا أنك لما عطفته على المرفوع ارتفع بالعطف عليه. ينظر: مصابيح المغني في حروف المعاني ص 519- 523، الارتشاف 2/633، الجنى الداني ص 189، المغني 392، أصول السرخسي 1/203، الإبهاج في شرح المنهاج 1/338-344، التسهيل 174، مجالس ثعلب 386، معاني القرآن للفراء 1/296.