ثم أضاف فرعون إلى تهديده لموسى تهديدا آخر فقال : { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فاجعل بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى } .
وقوله : { فَلَنَأْتِيَنَّكَ . . . } جواب لقسم محذوف . أى : والله لنأتينك بسحر مثله . . .
قال الجمل : وقوله : { مَوْعِداً } يجوز أن يكون زمانا ، ويرجحه قوله : { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة } ويجوز أن يكون مكانا ، والمعنى : بين لنا مكانا معلوما نعرفه نحن وأنت فنأتيه ، وهذا يؤيده قوله : { مَكَاناً سُوًى } .
ويجوز أن يكون مصدرا ، ويؤيد هذا قوله { لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ } لأن المواعدة توصف بالخلف وعدمه .
وقوله : { لاَّ نُخْلِفُهُ } من الإخلاف بمعنى عدم إنجاز الوعد .
وقوله : { سُوًى } قرأه ابن عامر وعاصم وحمزة بضم السين ، وقرأة الباقون بالكسر ومعنى القراءتين واحد .
وأصله من الاستواء . يقال : مكان سوى وسواء .
أى : عدل ووسط ، بحيث يستوى طرفاه بالنسبة للفريقين .
أى : قال فرعون لموسى مهددا ومتوعدا : أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى ، والله لنأتينك بسحر مثل سحرك ، فاجعل بيننا وبينك موعدا للمباراة والمنازلة ، لا نخلف نحن ولا أنت هذا الموعد ، وأن يكون مكان منازلتنا لك فى مكان يتوسط المدينة ، بحيث يستطيع جميع سكانها أن يحضروا إليه .
والمتأمل فى الآية الكريمة يرى أن فرعون قد قال ما قال لموسى وهو كأنه قد جمع أطراف النصر بين يديه .
ويشهد لذلك : تصديره كلامه بالقسم { فَلَنَأْتِيَنَّكَ . . } وتركه لموسى اختيار الموعد الذى يناسبه { فاجعل بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً } واشتراطه عدم الخلف فى الموعد { لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ } واقتراحه أن يكون مكان المبارزة فى وسط المدينة ، حتى يراها جميع الناس { مَكَاناً سُوًى } .
وإذا كان موسى يطلب إطلاق بني إسرائيل لهذا الغرض ، وكل ما يقدمه هو عمل من أعمال السحر ، فما أسهل الرد عليه : ( فلنأتينك بسحر مثله ) . . وهكذا يفهم الطغاة أن دعوى أصحاب العقائد إنما تخفي وراءها هدفا من أهداف هذه الأرض ؛ وإنها ليست سوى ستار للملك والحكم . . ثم هم يرون مع أصحاب الدعوات آيات ، إما خارقة كآيات موسى ، وإما مؤثرة في الناس تأخذ طريقها إلى قلوبهم وإن لم تكن من الخوارق . فإذا الطغاة يقابلونها بما يماثلها ظاهريا . . سحر نأتي بسحر مثله ! كلام نأتي بكلام من نوعه ! صلاح نتظاهر بالصلاح ! عمل طيب نرائي بعمل طيب ! ولا يدركون أن للعقائد رصيدا من الإيمان ، ورصيدا من عون الله ؛ فهي تغلب بهذا وبذاك ، لا بالظواهر والأشكال !
وهكذا طلب فرعون إلى موسى تحديد موعد للمباراة مع السحرة . . وترك له اختيار ذلك الموعد : للتحدي : ( فاجعل بيننا وبينك موعدا )وشدد عليه في عدم إخلاف الموعد زيادة في التحدي ( لا نخلفه نحن ولا أنت ) . وأن يكون الموعد في مكان مفتوح مكشوف : ( مكانا سوى )مبالغة في التحدي !
وقرأت فرقة «لا نخلُفه » بالرفع ، وقرأت فرقة «لا نخلفْه » بالجزم على جواب الأمر ، و { نحن } تأكيد للضمير من حيث احتاج الكلام إلى العطف عليه أكد ، و { موعداً } مفعول أول ل { فاجعل } ، و { مكاناً } مفعول ثان هذا الذي اختار أبو علي ومنع أن يكون { مكاناً } معمولاً لقوله { موعداً } لأنه قد وصف وهذه الأسماء العاملة عمل الفعل إذا نعتت أو عطف عليها أو أخبر عنها أو صغرت أو جمعت وتوغلت في الاسمية بمثل هذا لم تعمل ولا تعلق بها شيء هو منها ، وقد يتوسع في الظروف فتعلق بعد ما ذكرنا كقوله عز وجل : { ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون }{[8117]} [ غافر : 10 ] فقوله { إذ } [ غافر : 10 ] معلق بقوله { لمقت الله } [ غافر : 10 ] وهو قد أخبر عنه وإنما جاز هذا في الظروف خاصة ، وكذلك منع أبو علي أن يكون قوله { مكاناً } قصياً على الظرف الساد مسد المفعول .
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر . ومنع قوم أن يكون { مكاناً } نصب على المفعول الثاني بتخلفه ، وجوزه جماعة من النحاة ووجهه أن يتسع في أن يخلف الوعد . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع والكسائي «سِوى » بكسر السين ، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة «سُوى » بضمها ، والجمهور نون الواو ، وقال أبو الفتح ترك الصرف هنا مشكل والذي ينبغي أن يكون محمولاً على الوقف{[8118]} ، وقرأت فرقة «سوى » ذكره أبو عمرو عن ابن أبي عبلة ومعنى «سوى » أي عدلاً ونصفه ، قال أبو علي : فكأنه قال «مكاناً » قريبا منا قربه منكم .
قال أبو محمد رحمه الله : إنما أراد أن حالنا فيه مستوية فيعم ذلك القرب وأن تكون المنازل فيه واحدة في تعاطي الحق أي لا يعترضكم فيه الرياسة وإنما تقصد الحجة . و { سوى } لغة في سوى ومن هذه اللفظة قول الشاعر [ موسى ابن جابر الحنفي ] [ الطويل ]
وإن أباناً كان حل ببلدة . . . سوى بين قيس قيس عيلان والفزر{[8119]}
وقالت فرقة مستوياً من الأرض لا وهد فيه ولا نجد{[8117]} ، وقالت فرقة معناه سوى مكاناً هذا{[8118]}
إضافته السحرَ إلى ضمير موسى قُصد منها تحقير شأن هذا الذي سمّاه سحراً .
وأسنَدَ الإتيان بسحرٍ مثله إلى ضمير نفسه تعظيماً لشأنه . ومعنى إتيانه بالسحر : إحضار السحرة بين يديه ، أي فلنأتينك بسحر ممنْ شأنهم أن يأتوا بالسحر ، إذ السحر لا بد له من ساحر .
والمماثلة في قوله { مِثْلِهِ } مماثلة في جنس السحر لا في قوته .
وإنما جعل فرعون العلّة في مجيء موسى إليه : أنها قصده أن يخرجهم من أرضهم قياساً منه على الذين يقومون بدعوة ضد الملوك أنهم إنما يبغون بذلك إزالتهم عن الملك وحلولَهم محلّهم ، يعني أن موسى غرّته نفسه فحسب أنه يستطيع اقتلاع فرعون من ملكه ، أي حسبتَ أنّ إظهار الخوارق يطوّع لك الأمة فيجعلونك ملكاً عليهم وتخرجني من أرضي . فضمير المتكلم المشارك مستعمل في التعظيم لا في المشاركة ، لأنّ موسى لم يصدر عنه ما يشمّ منه إخراجهم من أرضهم .
ويجوز أن يكون ضمير المتكلم المشارك مستعملاً في الجماعة تغليباً ، ونزّل فرعون نفسه واحداً منها . وأراد بالجماعة جماعة بني إسرائيل حيث قال له موسى { فأرسِلْ معنا بني إسرائيل } [ طه : 47 ] ، أي جئت لتخرج بعض الأمة من أرضنا وتطمع أن يتبعك جميع الأمّة بما تظهر لهم من سحرك .
والاستفهام في { أجِئْتَنَا } إنكاري ، ولذلك فرّع عليه القسم على أن يأتيه بسحر مثله ، والقسم من أساليب إظهار الغضب .
واللام لام القسم ، والنون لتوكيده . وقصد فرعون من مقابلة عمل موسى بمثله أن يزيل ما يخالج نفوس الناس من تصديق موسى وكونه على الحق ، لعلّ ذلك يفضي بهم إلى الثورة على فرعون وإزالته من ملك مصر .
وفرّع على ذلك طلب تعيين موعد بينه وبين موسى ليُحضر له فيه القائمين بسحر مثل سحره .
والموعد هنا يجوز أن يراد به المصدر الميمي ، أي الوعد وأن يراد به مكان الوعد ، وهذا إيجاز في الكلام .
وقوله { مكاناً } بدل اشتمال من { موعداً } بأحد معنييه ، لأنّ الفعل يقتضي مكاناً وزماناً فأبدل منه مكانُه .
وقوله { لا نُخْلِفُهُ } في قراءة الجمهور برفع الفعل صفةً ل { موعداً } باعتبار معناه المصدري . وقرأه أبو جعفر بجزم الفاء من ( نخلفْه ) على أن ( لا ) ناهية . والنهي تحذير من إخلافه .
و { سِوىً } قرأه نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، والكسائي بكسر السين . وقرأه عاصم ، وحمزة ، وابن عامر ، ويعقوب ، وخلف بضم السين وهما لغتان ، فالكسر بوزن فِعَل ، قال أبو عليّ : وزن فِعَل يقلُّ في الصفات ، نحو : قوم عِدىً . وقال أبو عبيدة ، وأبو حاتم ، والنحاس : كسر السين هو اللغة العالية الفصيحة ، وهو اسم وصف مشتق من الاستواء : فيجوز أن يكون الاستواء استواء التوسط بين جهتين . وأنشد أبو عبيدة لموسى ابن جابر الحنفي :
وإن أبانا كانَ حلّ ببلدة *** سِوىً بين قيسسٍ قيس عيلان والفِزْر
( الفِزر : لقب لسعد بن زيد مناةَ بن تميم هو بكسر الفاء ) .
والمعنى : قال مجاهد : إنه مكان نصف ، وكأنّ المرادَ أنّه نصف من المدينة لئلا يشق الحضور فيه على أهل أطراف المدينة . وعن ابن زيد : المعنى مكاناً مستوياً ، أي ليس فيه مرتفعات تحجب العين ، أراد مكاناً منكشفاً للناظرين ليشهدوا أعمال موسى وأعمال السحرة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فلنأتينك بسحر مثله} يعني: بمثل سحرك. {فاجعل بيننا وبينك موعدا} يعني: وقتا {لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى}، يعني: ميقاتا، يعني: عدلا، كقوله سبحانه: {أصحاب الصراط السوي} [طه:135] يعني: العدل.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
" فَلَنْأتِيَنّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِدا "لا نتعدّاه، لنجيء بسحر مثل الذي جئت به، فننظر أينا يغلب صاحبه، لا نخلف ذلك الموعد "نَحْنُ وَلا أنْتَ مَكانا سُوًى "يقول: بمكان عدل بيننا وبينك ونَصَف...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
... أي عدنا مكانا نجتمع فيه ووقتا نأتي فيه (مكانا سوى) أي مكانا عدلا بيننا وبينك -في قول قتادة والسدي- وقيل معناه مستويا يتبين الناس ما بيننا فيه -ذكره ابن زيد- وقيل: معناه يستوي حالنا في الرضا به.
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
وأراد بالموعد ها هنا موضعا يتواعدون للاجتماع هناك وهو قوله {مكانا سوى} أي يكون النصف فيما بيننا وبينك... قال ابن زيد في قوله:"مَكانا سُوًى" قال: مكانا مستويا يتبين للناس ما فيه، لا يكون صوب ولا شيء فيغيب بعض ذلك عن بعض مستوٍ حين يرى...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
فإن عندنا سحرًا مثل سحرك، فلا يغرنك ما أنت فيه {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا} أي: يومًا نجتمع نحن وأنت فيه، فنعارض ما جئت به بما عندك من السحر في مكان معين ووقت معين فعند ذلك.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان من الزمان والمكان لا ينفك عن الآخر قال: {مكاناً} وآثر ذكر المكان لأجل وصفه بقوله: {سوى} أي عدلاً بيننا، لا حرج على واحد منا في قصده أزيد من حرج الآخر، فانظر هذا الكلام الذي زوقه وصنعه ونمقه فأوقف به قومه عن السعادة واستمر يقودهم بأمثاله حتى أوردهم البحر فأغرقهم، ثم في غمرات النار أحرقهم، فعلى الكيس الفطن أن ينقد الأقوال والأفعال، والخواطر والأحوال، ويعرضها على محك الشرع: الكتاب والسنة، فما وافق لزمه وما لا تركه.
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :
وفوّض تعيين الموعد إلى موسى؛ إظهاراً لكمال اقتداره على الإتيان بمثل ما أتى به موسى.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وإذا كان موسى يطلب إطلاق بني إسرائيل لهذا الغرض، وكل ما يقدمه هو عمل من أعمال السحر، فما أسهل الرد عليه: (فلنأتينك بسحر مثله).. وهكذا يفهم الطغاة أن دعوى أصحاب العقائد إنما تخفي وراءها هدفا من أهداف هذه الأرض؛ وإنها ليست سوى ستار للملك والحكم.. ثم هم يرون مع أصحاب الدعوات آيات، إما خارقة كآيات موسى، وإما مؤثرة في الناس تأخذ طريقها إلى قلوبهم وإن لم تكن من الخوارق. فإذا الطغاة يقابلونها بما يماثلها ظاهريا.. سحر نأتي بسحر مثله! كلام نأتي بكلام من نوعه! صلاح نتظاهر بالصلاح! عمل طيب نرائي بعمل طيب! ولا يدركون أن للعقائد رصيدا من الإيمان، ورصيدا من عون الله؛ فهي تغلب بهذا وبذاك، لا بالظواهر والأشكال! وهكذا طلب فرعون إلى موسى تحديد موعد للمباراة مع السحرة.. وترك له اختيار ذلك الموعد: للتحدي: (فاجعل بيننا وبينك موعدا) وشدد عليه في عدم إخلاف الموعد زيادة في التحدي (لا نخلفه نحن ولا أنت). وأن يكون الموعد في مكان مفتوح مكشوف: (مكانا سوى) مبالغة في التحدي!
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
إضافته السحرَ إلى ضمير موسى قُصد منها تحقير شأن هذا الذي سمّاه سحراً.
وأسنَدَ الإتيان بسحرٍ مثله إلى ضمير نفسه تعظيماً لشأنه. ومعنى إتيانه بالسحر: إحضار السحرة بين يديه، أي فلنأتينك بسحر ممنْ شأنهم أن يأتوا بالسحر، إذ السحر لا بد له من ساحر.
والمماثلة في قوله {مِثْلِهِ} مماثلة في جنس السحر لا في قوته.
وإنما جعل فرعون العلّة في مجيء موسى إليه: أنها قصده أن يخرجهم من أرضهم قياساً منه على الذين يقومون بدعوة ضد الملوك أنهم إنما يبغون بذلك إزالتهم عن الملك وحلولَهم محلّهم، يعني أن موسى غرّته نفسه فحسب أنه يستطيع اقتلاع فرعون من ملكه، أي حسبتَ أنّ إظهار الخوارق يطوّع لك الأمة فيجعلونك ملكاً عليهم وتخرجني من أرضي. فضمير المتكلم المشارك مستعمل في التعظيم لا في المشاركة، لأنّ موسى لم يصدر عنه ما يشمّ منه إخراجهم من أرضهم.
ويجوز أن يكون ضمير المتكلم المشارك مستعملاً في الجماعة تغليباً، ونزّل فرعون نفسه واحداً منها. وأراد بالجماعة جماعة بني إسرائيل حيث قال له موسى {فأرسِلْ معنا بني إسرائيل} [طه: 47]، أي جئت لتخرج بعض الأمة من أرضنا وتطمع أن يتبعك جميع الأمّة بما تظهر لهم من سحرك.
والاستفهام في {أجِئْتَنَا} إنكاري، ولذلك فرّع عليه القسم على أن يأتيه بسحر مثله، والقسم من أساليب إظهار الغضب.
واللام لام القسم، والنون لتوكيده. وقصد فرعون من مقابلة عمل موسى بمثله أن يزيل ما يخالج نفوس الناس من تصديق موسى وكونه على الحق، لعلّ ذلك يفضي بهم إلى الثورة على فرعون وإزالته من ملك مصر.
وفرّع على ذلك طلب تعيين موعد بينه وبين موسى ليُحضر له فيه القائمين بسحر مثل سحره.
والموعد هنا يجوز أن يراد به المصدر الميمي، أي الوعد وأن يراد به مكان الوعد، وهذا إيجاز في الكلام.
وقوله {مكاناً} بدل اشتمال من {موعداً} بأحد معنييه، لأنّ الفعل يقتضي مكاناً وزماناً فأبدل منه مكانُه.
وقوله {لا نُخْلِفُهُ} في قراءة الجمهور برفع الفعل صفةً ل {موعداً} باعتبار معناه المصدري. وقرأه أبو جعفر بجزم الفاء من (نخلفْه) على أن (لا) ناهية. والنهي تحذير من إخلافه.
و {سِوىً}... هو اسم وصف مشتق من الاستواء: فيجوز أن يكون الاستواء استواء التوسط بين جهتين...
والمعنى: قال مجاهد: إنه مكان نصف، وكأنّ المرادَ أنّه نصف من المدينة لئلا يشق الحضور فيه على أهل أطراف المدينة. وعن ابن زيد: المعنى مكاناً مستوياً، أي ليس فيه مرتفعات تحجب العين، أراد مكاناً منكشفاً للناظرين ليشهدوا أعمال موسى وأعمال السحرة.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ثمّ أضاف فرعون بأن لا تظن بأنّنا نعجز عن أن نأتي بمثل هذا السحر (فلنأتينّك بسحر مثله)، ولكي يظهر حزماً أكثر فإنّه قال: (فاجعل بيننا وبينكم موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوى).
وذكر البعض في تفسير (مكاناً سوى): إنّ المراد هو أن تكون فاصلته عنّا وعنك متساوية، وقال بعضهم: أن تكون فاصلته متساوية بالنسبة إلى الناس، أي أن يكون المكان في وسط المدينة تماماً، وقال بعض: المراد أن تكون الأرض أرضاً مكشوفة ومسطّحة يشرف عليها الجميع، وأن يتساوى في ذلك العالي والداني. ويمكن أن تعتبر كلّ هذه المعاني مجتمعة فيها.
وينبغي التذكير بأنّ الحكّام الطغاة، ومن أجل أن يهزموا خصمهم في المعركة، ويرفعوا معنويات أتباعهم وأعوانهم الذين ربّما وقعوا تحت تأثيره (كما في قصّة موسى ومعجزاته فلا يبعد أن يكونوا قد وقعوا تحت تأثيره) فإنّهم يعيدون إليهم المعنويات والقوّة، ويتعاملون في الظاهر مع أمثال هذه المسائل بصرامة وشدّة، ويثيرون الصخب حولها!