المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ} (7)

7- يعلمون شئون ووسائل عمرانها والتمتع بزخارفها ، وهم عن التزود للآخرة مسرفون في الجهل والغفلة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ} (7)

وهؤلاء الذين لا يعلمون أي : لا يعلمون بواطن الأشياء وعواقبها . وإنما { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } فينظرون إلى الأسباب ويجزمون بوقوع الأمر الذي في رأيهم انعقدت أسباب وجوده ويتيقنون عدم الأمر الذي لم يشاهدوا له من الأسباب المقتضية لوجوده شيئا ، فهم واقفون مع الأسباب غير ناظرين إلى مسببها المتصرف فيها .

{ وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } قد توجهت قلوبهم وأهواؤهم وإراداتهم إلى الدنيا وشهواتها وحطامها فعملت لها وسعت وأقبلت بها وأدبرت وغفلت عن الآخرة ، فلا الجنة تشتاق إليها ولا النار تخافها وتخشاها ولا المقام بين يدي اللّه ولقائه يروعها ويزعجها وهذا علامة الشقاء وعنوان الغفلة عن الآخرة .

ومن العجب أن هذا القسم من الناس قد بلغت بكثير منهم الفطنة والذكاء في ظاهر الدنيا إلى أمر يحير العقول ويدهش الألباب .

وأظهروا من العجائب الذرية{[638]} والكهربائية والمراكب البرية والبحرية والهوائية ما فاقوا به وبرزوا وأعجبوا بعقولهم ورأوا غيرهم عاجزا عما أقدرهم اللّه عليه ، فنظروا إليهم بعين الاحتقار والازدراء وهم مع ذلك أبلد الناس في أمر دينهم وأشدهم غفلة عن آخرتهم وأقلهم معرفة بالعواقب ، قد رآهم أهل البصائر النافذة في جهلهم يتخبطون وفي ضلالهم يعمهون وفي باطلهم يترددون{[639]} نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون .

ثم{[640]} نظروا إلى ما أعطاهم اللّه وأقدرهم عليه من الأفكار الدقيقة في الدنيا وظاهرها و[ ما ] حرموا من العقل العالي فعرفوا{[641]} أن الأمر للّه والحكم له في عباده وإن هو إلا توفيقه وخذلانه فخافوا{[642]} ربهم وسألوه أن يتم لهم ما وهبهم من نور العقول والإيمان حتى يصلوا إليه ، ويحلوا بساحته [ وهذه الأمور لو قارنها الإيمان وبنيت عليه لأثمرت الرُّقِيَّ العالي والحياة الطيبة ، ولكنها لما بني كثير منها على الإلحاد لم تثمر إلا هبوط الأخلاق وأسباب الفناء والتدمير ]{[643]}


[638]:- كذا في ب، وفي أ: النارية.
[639]:- كذا في ب، وفي أ: يتردون.
[640]:- هكذا في النسختين وقد شطبت الكلمة في ب، وجعل بدلها (ولو).
[641]:- في ب: عدلت إلى: لعرفوا.
[642]:- في ب: عدلت إلى ولخافوا.
[643]:- زيادة من هامش ب، لم يتضح أولها وقد نقلته من طبعة السلفية.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ} (7)

والضمير فى قوله - تعالى - : { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الحياة الدنيا } يعود للأكثر من الناس .

أى : هؤلاء الأكثرون من الناس ، من أسباب جهلهم بسنن الله - تعالى - فى خلقه ، أنهم لا يهتمون إلا بملاذ الحياة الدنيا ومتعها وشهواتها ، ووسائل المعيشة فيها .

{ وَهُمْ عَنِ الآخرة } وما فيها من حساب وثواب وعقاب { هُمْ غَافِلُونَ } لأنهم آثروا الدارة العاجلة ، على الدار الباقية ، فهم - كما قال - تعالى - : { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأمل فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } قال صاحب الكشاف ما ملخصه : وقوله : { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً } بدل من قوله : { ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ } .

وفى هذا الإِبدال من النكتة أنه أبدله منه ، وجعله بحيث يقوم مقامه ، ويسد مسده . ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذى هو الجهل ، وبين وجد العلم الذى لا يتجاوز الدنيا . . وفى تنكير قوله : { ظَاهِراً } إشارة إلى أنهم لا يعملون إلا ظاهرا واحدا من جملة ظواهر الحياة الدنيا .

فالآية الكريمة تنعى على هؤلاء الكافرين وأشباههم ، انهماكهم فى شئون الدنيا انهماكا تاما ، جعلهم غافلين عما ينتظرهم فى أخراهم من حساب وعقاب . ورحم الله القائل :

ومن البلية أن ترى لك صاحبا فى صور الرجل السميع المبصر

فطن بكل مصيبة فى ماله وإذا يصاب بدينه لم يشعر

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ} (7)

( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ) . . ثم لا يتجاوزون هذا الظاهر ؛ ولا يرون ببصيرتهم ما وراءه .

وظاهر الحياة الدنيا محدود صغير ، مهما بدا للناس واسعا شاملا ، يستغرق جهودهم بعضه ، ولا يستقصونه في حياتهم المحدودة . والحياة كلها طرف صغير من هذا الوجود الهائل ، تحكمه نواميس وسنن مستكنة في كيان هذا الوجود وتركيبه .

والذي لا يتصل قلبه بضمير ذلك الوجود ؛ ولا يتصل حسه بالنواميس والسنن التي تصرفه ، يظل ينظر وكأنه لا يرى ؛ ويبصر الشكل الظاهر والحركة الدائرة ، ولكنه لا يدرك حكمته ، ولا يعيش بها ومعها . وأكثر الناس كذلك ، لأن الإيمان الحق هو وحده الذي يصل ظاهر الحياة بأسرار الوجود ؛ وهو الذي يمنح العلم روحه المدرك لأسرار الوجود . والمؤمنون هذا الإيمان قلة في مجموع الناس . ومن ثم تظل الأكثرية محجوبة عن المعرفة الحقيقية .

( وهم عن الآخرة هم غافلون ) . . فالآخرة حلقة في سلسلة النشأة ، وصفحة من صفحات الوجود الكثيرة . والذين لا يدركون حكمة النشأة ، ولا يدركون ناموس الوجود يغفلون عن الآخرة ، ولا يقدرونها قدرها ، ولا يحسبون حسابها ، ولا يعرفون أنها نقطة في خط سير الوجود ، لا تتخلف مطلقا ولا تحيد .

والغفلة عن الآخرة تجعل كل مقاييس الغافلين تختل ؛ وتؤرجح في أكفهم ميزان القيم ؛ فلا يملكون تصور الحياة وأحداثها وقيمها تصورا صحيحا ؛ ويظل علمهم بها ظاهرا سطحيا ناقصا ، لأن حساب الآخرة في ضمير الإنسان يغير نظرته لكل ما يقع في هذه الأرض . فحياته على الأرض إن هي إلا مرحلة قصيرة من رحلته الطويلة في الكون . ونصيبه في هذه الأرض إن هو إلا قدر زهيد من نصيبه الضخم في الوجود . والأحداث والأحوال التي تتم في هذه الأرض إن هي إلا فصل صغير من الرواية الكبيره . ولا ينبغي أن يبني الإنسان حكمه على مرحلة قصيرة من الرحلة الطويلة ، وقدر زهيد من النصيب الضخم ، وفصل صغير من الرواية الكبيرة !

ومن ثم لا يلتقي إنسان يؤمن بالآخرة ويحسب حسابها ، مع آخر يعيش لهذه الدنيا وحدها ولا ينتظر ما وراءها . لا يلتقي هذا وذاك في تقدير أمر واحد من أمور هذه الحياة ، ولا قيمة واحدة من قيمها الكثيرة ؛ ولا يتفقان في حكم واحد على حادث أو حالة أو شأن من الشؤون . فلكل منهما ميزان ، ولكل منهما زاوية للنظر ، ولكل منهما ضوء يرى عليه الأشياء والأحداث والقيم والأحوال . . هذا يرى ظاهرا من الحياة الدنيا ؛ وذلك يدرك ما وراء الظاهر من روابط وسنن ، ونواميس شاملة للظاهر والباطن ، والغيب والشهادة ، والدنيا والآخرة ، والموت والحياة ، والماضي والحاضر والمستقبل ، وعالم الناس والعالم الأكبر الذي يشمل الأحياء وغير الأحياء . . وهذا هو الأفق البعيد الواسع الشامل الذي ينقل الإسلام البشرية إليه ؛ ويرفعها فيه إلى المكان الكريم اللائق بالإنسان . الخليفة في الأرض . المستخلف بحكم ما في كيانه من روح الله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ} (7)

وصف تعالى الكفرة الذين لا يعلمون أمر الله وصدق وعده بأنهم إنما { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا } ، واخلتف الناس في معنى { ظاهراً } فقالت فرقة معناه بيناً أي ما أدته إليهم حواسهم فكأن علومهم إنما هي علوم البهائم{[9280]} ، وقال ابن عباس والحسن والجمهور : معناه ما فيه الظهور والعلو في الدنيا من إتقان الصناعات والمباني ومظان كسب الأموال والفلاحات ونحو هذا ، وقالت فرقة : معناه ذاهباً زائلاً أي يعلمون أمور الدنيا التي لا بقاء لها ولا عاقبة ومثل هذه اللفظة قول الهذلي :

وعيرها الواشون أني أحبها . . . وتلك شكاة ظاهر عنك عارها{[9281]}

وقال سعيد بن جبير : إن قوله { ظاهراً من الحياة الدنيا } إشارة إلى ما يعلم من قبل الكهنة مما يسترقه الشياطين ، وقال الروماني : كل ما يعلم بأوائل العقول فهو الظاهر وما يعلم بدليل العقل فهو باطن .

قال القاضي أبو محمد : وفيه تقع الغفلة وتقصير الجهال ، ثم وصفهم ب «الغفلة » والإعراض عن أمر الآخرة وكرر الضمير تأكيداً ، وغفلة الكافر هي على الكمال والمؤمن المنهمك في أمور الدنيا التي هي أكبر همه يأخذ من هذه الآية بحظ ، نوّر الله قلوبنا بهداه ، ثم وقفهم على جهة التوبيخ على أنهم قد فكروا فلم تنفعهم الفكرة والنظر إذ لم يكن على سداد ، وقوله تعالى : { في أنفسهم } يحتمل معنيين : أحدهما أن تكون الفكرة في ذواتهم وحواسهم وخلقتهم ليستدلوا بذلك على الخالق المخترع .


[9280]:يعني أنها العلوم التي لا تهتم إلا بما تهتم به البهائم من الأكل والشرب والتناسل.
[9281]:قال أبو ذؤيب الهذلي هذا البيت من قصيدة رثى بها نشيبة بن محرث أحد بني حطيط، ومطلعها: هل الدهر إلا ليلة أو نهارها وإلا طلوع الشمس ثم غيارها والواشون: جمع واش، وهو الذي ينم بالإنسان ويسعى، وأصله من الوشي وهو التنميق والتحسين والكذب في الكلام ونشره بين الناس. وقوله: "وتلك وشاة" أي: ذلك التعبير، "ظاهر عنك عارها": أي: زائل عنك وذاهب لا يعلق بك، وهو الشاهد هنا، أي: أن تعييرهم لك لا يلزق بك، بل يبتعد عنك وينبو.