قل يا محمد مخاطبا للمكذبين لك الذين يقولون تربصوا به ريب المنون { قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ } فتربصوا بي الموت ، وأنا أتربص بكم العذاب { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ } أي : الظفر أو الشهادة { وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا } { فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ } أي : المستقيم ، { وَمَنِ اهْتَدَى } بسلوكه ، أنا أم أنتم ؟ فإن صاحبه هو الفائز الراشد ، الناجي المفلح ، ومن حاد عنه خاسر خائب معذب ، وقد علم أن الرسول هو الذي بهذه الحالة ، وأعداؤه بخلافه ، والله أعلم .
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بهذه الآية التى أمر فيها رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يهددهم بسوء العاقبة ، إذا ما استمروا فى طغيانهم يعمهون ، فقال - تعالى - : { قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُواْ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصراط السوي وَمَنِ اهتدى } .
أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الكافرين : كل واحد منا ومنكم متربص بالآخر ، ومنتظر لما يؤول إليه أمر صاحبه .
وما دام الأمر كذلك { فَتَرَبَّصُواْ } وانتظروا ما يؤول إليه حالنا وحالكم { فَسَتَعْلَمُونَ } بعد زمن قريب . { مَنْ } هم { أَصْحَابُ الصراط السوي } أى : الطريق الواضح المستقيم الذى لا اعوجاج فيه { وَمَنِ } هم الذين تجنبوا الضلالة ، واهتدوا إلى ما يسعدهم فى دينهم وفى دنياهم وفى آخرتهم .
وقريب من هذه الآية فى المعنى قوله - تعالى - : { سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الكذاب الأشر } وقوله - سبحانه - : { وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العذاب مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } وبعد فهذه سورة طه ، وهذا تفسر تحليلى لها ، وكما أنها قد افتتحت بنفى إرادة الشقاء للنبى - صلى الله عليه وسلم - فقد اختتمت بهذه البشارة له - صلى الله عليه وسلم - ولأتباعه وبهذا التهديد لأعدائهم . . .
نسأل الله - تعالى - أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ، وأنس نفوسنا وبهجة صدورنا ، وشفيعنا يوم الدين { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . . .
وعندما يصل السياق إلى تصوير المصير المحتوم الذي ينتظرهم يؤمر الرسول [ ص ] أن ينفض يده منهم ، فلا يشقى بهم ، ولا يكربه عدم إيمانهم ، وأن يعلن إليهم أنه متربص بهم ذلك المصير ، فليتربصوا هم كيف يشاءون :
( قل : كل متربص فتربصوا . فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ) . .
بذلك تختم السورة التي بدأت بنفي إرادة الشقاء عن النبي [ ص ] من تنزيل القرآن ، وحددت وظيفة القرآن : ( إلا تذكرة لمن يخشى ) . . والختام يتناسق مع المطلع كل التناسق . فهو التذكرة الأخيرة لمن تنفعه التذكرة . وليس بعد البلاغ إلا انتظار العاقبة . والعاقبة بيد الله . .
ثم قال تعالى { قُلْ } أي : يا محمد لمن كذبك وخالفك واستمر على كفره وعناده { كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ } أي : منا ومنكم { فَتَرَبَّصُوا } أي : فانتظروا ، { فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ } أي : الطريق المستقيم ، { وَمَنِ اهْتَدَى } إلى الحق وسبيل الرشاد ، وهذا كقوله{[19594]} تعالى { وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا } [ الفرقان : 42 ] ، { سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأشِرُ } [ القمر : 26 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ كُلّ مّتَرَبّصٌ فَتَرَبّصُواْ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصّرَاطِ السّوِيّ وَمَنِ اهْتَدَىَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد : كلكم أيها المشركون بالله متربص يقول : منتظر لمن يكون الفلاح ، وإلى ما يؤول أمري وأمركم متوقف ينتظر دوائر الزمان ، فتربصوا يقول : فترقبوا وانتظروا ، فستعلمون من أهل الطريق المستقيم المعتدل الذي لا اعوجاج فيه إذا جاء أمر الله وقامت القيامة ، أنحن أم أنتم ؟ ومن اهتدى يقول : وستعلمون حينئذٍ من المهتدي الذي هو على سنن الطريق القاصد غير الجائر عن قصده منا ومنكم . وفي «مَن » من قوله : " فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أصحَابُ الصّراطِ السّوِيّ " ، والثانية من قوله : " وَمَنِ اهْتَدَى " وَجهان : الرفع ، وترك إعمال تعلمون فيهما ، كما قال جلّ ثناؤه : " لنَعْلَمَ أيّ الْحِزْبَيْنِ أحْصَى " والنصب على إعمال تعلمون فيهما ، كما قال جلّ ثناؤه : " وَااللّهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ منَ المُصْلِحِ " .
{ قل كل } أي كل واحد منا ومنكم . { متربص } منتظر لما يؤول إليه أمرنا وأمركم . { فتربصوا } وقرئ " فتمتعوا " . { فستعلمون من أصحاب الصراط السوي } المستقيم ، وقرئ " السواء " أي الوسط الجيد و " السوآى " و " السوء " أي الشر ، و " السوي " هو تصغيره . { ومن اهتدى } من الضلالة و { من } في الموضعين للاستفهام ومحلها الرفع بالابتداء ، ويجوز أن تكون الثانية موصولة بخلاف الأولى لعدم العائد فتكون معطوفة على محل الجملة الاستفهامية المعلق عنها الفعل على أن العلم بمعنى المعرفة أو على أصحاب أو على الصراط على أن المراد به النبي صلى الله عليه وسلم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: كلكم أيها المشركون بالله "متربص "يقول: منتظر لمن يكون الفلاح، وإلى ما يؤول أمري وأمركم، متوقف ينتظر دوائر الزمان، "فتربصوا" يقول: فترقبوا وانتظروا، فستعلمون من أهل الطريق المستقيم المعتدل الذي لا اعوجاج فيه، إذا جاء أمر الله وقامت القيامة، أنحن أم أنتم؟ "ومن اهتدى" يقول: وستعلمون حينئذٍ من المهتدي الذي هو على سنن الطريق القاصد غير الجائر عن قصده منا ومنكم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
كانوا يتربصون هلاك رسول الله وانقلاب أمره، ورسول الله يتربص بهم عذاب الله ومواعيده فيهم.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{قُلْ} يا محمد لهم {كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ} منتظر دوائر الزمان وما يكون من الحدثان ولمن يكون الفلاح والنصر. {فَتَرَبَّصُواْ فَسَتَعْلَمُونَ} إذا جاء أمر الله تعالى وقامت القيامة {مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ} المستقيم {وَمَنِ اهْتَدَى} من الضلالة أنحن أم أنتم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
فقال الله تعالى لنبيه (قل) لهم يامحمد (كل متربص) أي كل واحد منا ومنكم متربص، فنحن نتربص بكم وعد الله لنا فيكم، وأنتم تتربصون بنا أن نموت، فتستريحوا. (فستعلمون) أي سوف تعلمون فيما بعد (من أصحاب الصراط السوي) يعني الصراط المستقيم و (من) الذي (اهتدي) إلى طريق الحق.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم أمر الله تعالى نبيه أن يتوعدهم ويحملهم ونفسه على التربص وانتظار الفرج. و «التربص»: التأني. و {الصراط}: الطريق... و {اهتدى} معناه رشد.
أي كل منا ومنكم منتظر عاقبة أمره، وهذا الانتظار يحتمل أن يكون قبل الموت، إما بسبب الأمر بالجهاد أو بسبب ظهور الدولة والقوة، ويحتمل أن يكون بالموت فإن كل واحد من الخصمين ينتظر موت صاحبه، ويحتمل أن يكون بعد الموت وهو ظهور أمر الثواب والعقاب، فإنه يتميز في الآخرة المحق من المبطل بما يظهر على المحق من أنواع كرامة الله تعالى، وعلى المبطل من أنواع إهانته.
{فستعلمون} عند ذلك {من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى} إليه. وليس هو بمعنى الشك والترديد، بل هو على سبيل التهديد والزجر للكفار، والله أعلم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
... ولما علم بهذا أن إيمانهم كالممتنع، وجدالهم لا ينقطع، بل إن جاءهم الهدى طعنوا فيه، وإن عذبوا قبله تظلموا، كان كأنه قيل: فما الذي أفعل معهم؟ فقال: {قل كل} أي مني ومنكم {متربص} أي منتظر حسن عاقبة أمره ودوائر الزمان على عدوه {فتربصوا} فإنكم كالبهائم ليس لكم تأمل، ولا تجوزون الجائز إلا عند وقوعه {فستعلمون} أي عما قريب بوعد لا خلف فيه عند كشف الغطاء {من أصحاب الصراط} أي الطريق الواضح الواسع {السويّ} أي الذي لا عوج فيه ولا نتوّ، فهو من شأنه أن يوصل إلى المقاصد. ولما كان صاحب الشيء قد لا يكون عالما بالشيء ولا عاملاً بما يعلم منه، قال {ومن اهتدى} أي من الضلالة فحصل على جميع ما ينفعه واجتنب جميع ما يضره، نحن أم أنتم؟...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
... وغير خاف ما في بدء السورة وخاتمتها من المناسبة، فإنها بدئت ببيان أن القرآن قد أنزل لتحمل تعب الإبلاغ، وحيث قد بلغت فلا عليك، وختمت بطلب الإقبال على طاعة الله قدر الطاقة وأمر أهله بالصلاة وترك الذين لا ينجع فيهم الإنذار، فإنه تذكرة لمن يخشى، وسيندم المخالف حيث لا ينفع الندم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وعندما يصل السياق إلى تصوير المصير المحتوم الذي ينتظرهم يؤمر الرسول [صلى الله عليه وسلم] أن ينفض يده منهم، فلا يشقى بهم، ولا يكربه عدم إيمانهم، وأن يعلن إليهم أنه متربص بهم ذلك المصير، فليتربصوا هم كيف يشاءون: (قل: كل متربص فتربصوا. فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى).. بذلك تختم السورة التي بدأت بنفي إرادة الشقاء عن النبي [صلى الله عليه وسلم] من تنزيل القرآن، وحددت وظيفة القرآن: (إلا تذكرة لمن يخشى).. والختام يتناسق مع المطلع كل التناسق. فهو التذكرة الأخيرة لمن تنفعه التذكرة. وليس بعد البلاغ إلا انتظار العاقبة. والعاقبة بيد الله..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
... وقد جاءت خاتمة هذه السورة كأبلغ خواتم الكلام لإيذانها بانتهاء المحاجَة وانطواء بساط المقارعة؛ ومن محاسنها: أن فيها شبيه رد العجز على الصدر لأنّها تنظر إلى فاتحة السورة. وهي قوله {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى} [طه: 2]، لأن الخاتمة تدل على أنه قد بلّغ كل ما بعث به من الإرشاد والاستدلال، فإذا لم يهتدوا به فكفاه انثلاجَ صدره أنه أدى الرسالة والتذكرة فلم يكونوا من أهل الخشية فتركهم وضلالهم حتى يتبين لهم أنه الحق..
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ} في ما ننتظره من وعد الله لنا بالرحمة والمغفرة، وما أعدّه لكم من عقاب، وفي ما تنتظرونه، أنتم، من المشاكل التي تحيط بنا وتحاصرنا لتبطل دعوتنا، وتهزم موقفنا. وتبقى ساحة الصراع بيننا وبينكم حالة حركة دائبة وجهاد مستمر، لتكون النتيجة الحاسمة لمن يملك الحق، ويلتزم بالصراط المستقيم، {فَتَرَبَّصُواْ} لأنكم لا تزالون في حالة شك، أما نحن فإننا نملك الرؤية الواضحة من خلال الإيمان المنفتح الواعي، ولذلك فإننا لسنا في موقع الانتظار القلق، بل في مواقع الانتظار الحاسم الجازم الذي يعرف ما يريد، وستظهر النتيجة، {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ} منا أو منكم، {وَمَنِ اهْتَدَى} في ما يلتزم به من خطوط الحياة ومناهجها المتحركة من أجل سعادة الإنسان في قضايا المصير في الدنيا والآخرة.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وخلاصة القول: فإنّ هذه السورة لمّا كانت قد نزلت في مكّة، وكان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون تحت ضغط شديد من قبل الأعداء، فإنّ الله قد واساهم وسرّى عن نفوسهم في نهاية هذه السورة، فتارةً ينهاهم عن أن تأخذهم وتبهرهم أموال المنكرين الزائلة وثرواتهم، إذ هي للامتحان والابتلاء، وتارةً يأمرهم بالصلاة والاستقامة لتقوى قواهم المعنوية أمام كثرة الأعداء. وأخيراً يبشّر المسلمين بأنّ هؤلاء إن لم يؤمنوا فإنّ لهم مصيراً أسودا مشؤوماً يجب أن يكونوا في انتظاره.