البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ كُلّٞ مُّتَرَبِّصٞ فَتَرَبَّصُواْۖ فَسَتَعۡلَمُونَ مَنۡ أَصۡحَٰبُ ٱلصِّرَٰطِ ٱلسَّوِيِّ وَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ} (135)

{ قل كل متربص فتربصوا } أي منتظر منا ومنكم عاقبة أمره ، وفي ذلك تهديد لهم ووعيد وأفرد الخبر وهو { متربّص } حملاً على لفظ { كل } كقوله { قل كل يعمل على شاكلته } والتربص التأني والانتظار للمفرج و { من أصحاب } مبتدأ وخبر علق عنه { فستعلمون } وأجاز الفراء أن تكون ما موصولة بمعنى الذي فتكون مفعولة بفستعلمون و { أصحاب } خبر مبتدأ محذوف تقديره الذي هم أصحاب ، وهذا جار على مذهب الكوفيين إذ يجيزون حذف مثل هذا الضمير مطلقاً سواء كان في الصلة طول أم لم يكن وسواء كان الموصول أياً أم غيره .

وقرأ الجمهور { السوي } على وزن فعيل أي المستوي .

وقرأ أبو مجلز وعمران بن حدير السواء أي الوسط .

وقرأ الجحدري وابن يعمر السوأى على وزن فعلى أنث لتأنيث { الصراط } وهو مما يذكر ويؤنث تأنيث الأسواء من السوأى على ضد الاهتداء قوبل به { ومن اهتدى } على الضد ومعناه { فستعلمون } أيها الكفار من على الضلال ومن على الهدى ، ويؤيد ذلك قراءة ابن عباس الصراط السوء وقد روي عنهما أنهما قرآ السوأى على وزن فعلى ، فاحتمل أن يكون أصله السووي إذ روي ذلك عنهما فخفف الهمزة بإبدالها واواً وأدغم ، واحتمل أن يكون فعلى من السواء أبدلت ياؤه واواً وأدغمت الواو وفي الواو ، وكان القياس أنه لما بني فعلى من السواء أن يكون السويا فتجتمع واو وياء ، وسبقت إحداهما بالسكون فتقلب الواو ياء وتدغم في الياء ، فكان يكون التركيب السيا .

وقرئ السُوَيّ بضم السين وفتح الواو وشد الياء تصغير السوء .

قاله الزمخشري ، وليس بجيد إذ لو كان تصغير سوء لثبتت همزته في التصغير ، فكنت تقول سؤيي والأجود أن يكون تصغير سواء كما قالوا في عطاء عطي .

ومن قرأ السوأى أو السوء كان في ذلك مقابلة لقوله { ومن اهتدى } وعلى قراءة الجمهور لم تراع المقابلة في الاستفهام .