الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قُلۡ كُلّٞ مُّتَرَبِّصٞ فَتَرَبَّصُواْۖ فَسَتَعۡلَمُونَ مَنۡ أَصۡحَٰبُ ٱلصِّرَٰطِ ٱلسَّوِيِّ وَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ} (135)

و " مُتَرَبِّصٌ " خبرُ " كل " ، أَفرَدَ حملاً على لفظ " كل " .

قوله : { مَنْ أَصْحَابُ } يجوز في " مَنْ " هذه وجهان ، أظهرهما : أَنْ تكونَ استفهاميةً مبتدأةً ، و " أصحابُ " خبره . والجملةُ في محلِّ نصبٍ سادَّة مَسَدَّ المفعولَيْن . والثاني ويُعزى للفراء أن تكونَ موصولةً بمعنى الذين . و " أصحابُ " خبر مبتدأ مضمر أي : هم أصحاب ، وهذا على مقتضَى مذهبِهم ، يحذفون مثلَ هذا العائدِ وإن لم تَطُلِ الصلةُ . ثم " عَلِمَ " يجوز أَنْ تكونَ عرفانيةً فتكتفيَ بهذا المفعولِ ، وأن تكون على بابها فلا بُدَّ مِنْ تقديرِ ثانيهما .

وقرأ العامَّةُ : " السَّوِيِّ " على وزن فَعيل بمعنى المُسْتَوي . وقرأ أبو مجلز وعمران بن حدير " السَّواء " بفتحِ السينِ والمدِّ ، بمعنى الوسط الجيِّد . وقرأ يحيى بن يعمر والجحدري " السُّوْءَى " على فُعْلَى باعتبار أن الصراط يُذَكَّرُ ويؤنث . وقرأ ابن عباس " السَّوْء " بفتح السين بمعنى الشرِّ .

ورُوي عنهما " السُّوَّى " بضم السين وتشديد الواو . ويحتمل ذلك وجهين ، أحدُهما : أَنْ يكونَ قَلَبَ الهمزةَ واواً ، وأدغم الواوَ في الواو ، وأَنْ يكونَ فُعْلَى من السَّواء . وأصلُه السُّوْيا فقُلِبَتِ الياءُ واواً وأُدْغم أيضاً . وكان قياسُ هذه السُّيَّا ؛ لأنه متى اجتمع ياءٌ وواوٌ وسَبَقت إحداهما بالسكون قُلبت الواوُ ياءً وهنا فُعِل بالعكس .

وقُرِىء " السُّوَيِّ " بضم السين وفتح الواو وتشديد الياءِ تصغيرَ " سُوْء " قاله الزمخشري . قال الشيخ : " وليس بجيدٍ إذ لو كانَ كذلك لثَبَتَتْ همزةُ " سوء " . والأجودُ أَنْ يكونَ تصغيرَ " سواء " ، كقولِهم عُطَيّ في عَطاء " . قلت : وقد جعله أبو البقاء أيضاً تصغيرَ السَّوْء يعني بفتح السين . ويَرِدُ عليه ما تقدَّم إيرادُه على الزمخشريِّ ، وإبدالُ مثلِ هذه الهمزةِ جائزٌ فلا إيرادَ .

قوله : { وَمَنِ اهْتَدَى } فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدها : أَنْ تكونَ استفهاميةً ، وحكمُها كالتي قبلها إلاَّ في حَذْفِ العائِد . الثاني : أنها في محلِّ رفعٍ على ما تقدَّم في الاستفهاميةِ . الثالث : أنها في محلِّ جرٍّ نَسَقاً على " الصراطِ " أي : وأصحابُ مَنِ اهتدى . وعلى هذين الوجهين تكونُ موصولةً ، قال أبو البقاء في الوجه الثاني : " وفيه عَطْفُ الخبرِ على الاستفهام ، وفيه تقويةٌ قولِ الفرَّاءِ " يعني أنه إذا جَعَلَها موصولةً كانت خبريةً .