{ وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا }
أي : أي شيء عليهم وأي حرج ومشقة تلحقهم لو حصل منهم الإيمان بالله الذي هو الإخلاص ، وأنفقوا من أموالهم التي رزقهم الله وأنعم بها عليهم فجمعوا بين الإخلاص والإنفاق ، ولما كان الإخلاص سرًّا بين العبد وبين ربه ، لا يطلع عليه إلا الله أخبر تعالى بعلمه بجميع الأحوال فقال : { وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا }
ثم وبخ - سبحانه - هؤلاء الذين يؤثرون رضا الناس على رضا الله ، والذين كفروا بالحق بعد إذ جاءهم فقال - : { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بالله واليوم الآخر وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ الله } .
والمعنى : وأى ضرر على هؤلاء الكافرين البخلاء المرائين لو أنهم آمنا بالله - تعالى - حق الإِيمان ، وآمنوا باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب ، وأنفقوا مما رزقهم الله من فضله ابتغاء وجهه ؟ .
إنه لا ضرر مطلقا من إيمانهم وإنفاقهم واستجابتهم للحق ، بل إن الخير كل الخير فى اتباع ذلك ، والشر كل الشر فيما هم عليه من كفر وبخل ورياء .
فالجملة الكريمة توبيخ لهم على سلوكهم الطريق المعوج وتركهم للطريق المستقيم .
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : قوله { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ } . وأى تبعة عليهم فى الإِيمان والإِنفاق فى سبيل الله . والمراد الذم والتوبيخ . وإلا فكل منفعة ومفلحة فى ذلك : وهذا كما يقال للمنتقم : ما ضرك لو عفوت وللعاق : ما كان يرزؤك لو كنت بارا . وقد علم أنه لا مضرة ولا مرزأة فى العفو والبر . ولكنه ذم وتجهيل وتوبيخ بمكان المنفعة .
وقوله { وَكَانَ الله بِهِم عَلِيماً } تذييل قصد به تهديهم على إيثارهم طريق الغى على طريق الرشد .
أى : وكان الله بهم عليما علماً بشمل بواطنهم وظواهرهم ، وسيجازيهم على ما أسروه وما أعلنوه بالعقاب الذى يستحقونه .
وحين ينتهي من عرض سوءات نفوسهم ؛ وسوءات سلوكهم ؛ ومن عرض أسبابها من الكفر بالله واليوم الآخر ، وصحبة الشيطان واتباعه ؛ ومن الجزاء المعد المهيأ لأصحاب هذه السوءات ، وهو العذاب المهين . . عندئذ يسأل في استنكار :
( وماذا عليهم لو آمنوا بالله ، واليوم الآخر ، وأنفقوا مما رزقهم الله ؟ وكان الله بهم عليما . إن الله لا يظلم مثقال ذرة ، وإن تك حسنة يضاعفها ، ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) . .
أجل ! ماذا عليهم ؟ ما الذي يخشونه من الإيمان بالله واليوم الآخر ، والإنفاق من رزق الله .
ثم قال تعالى : { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَومِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ [ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا ]{[7498]} } أي : وأيّ شيء يَكرثُهم لو سلكوا الطريق الحميدة ، وعَدَلُوا عن الرياء إلى الإخلاص والإيمان بالله ، ورجاء موعوده في الدار الآخرة لمن أحسن عملا وأنفقوا مما رزقهم الله في الوجوه التي يحبها الله ويرضاها .
وقوله : { وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا } أي : وهو عليم بنياتهم الصالحة والفاسدة ، وعليم بمن يستحق التوفيق منهم فيوفقه ويلهمه رشده ويقيضه لعمل صالح يرضى به عنه ، وبمن يستحق الخذلان والطرد عن جنابه الأعظم الإلهي ، الذي مَنْ طُرِدَ عن بابه فقد خاب وخَسِرَ في الدنيا والآخرة ، عياذا بالله من ذلك [ بلطفه الجزيل ]{[7499]} .
{ وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمّا رَزَقَهُمُ اللّهُ وَكَانَ اللّهُ بِهِم عَلِيماً } . .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : أيّ شيء على هؤلاء الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ، ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الاَخر ، لو آمنوا بالله واليوم الاَخر ، لو صدّقوا بأن الله واحد لا شريك له ، وأخلصوا له التوحيد ، وأيقنوا بالبعث بعد الممات ، وصدّقوا بأن الله مجازيهم بأعمالهم يوم القيامة { وأنفقُوا ممّا رزقهُم اللّهُ } يقول وأدّوا زكاة أموالهم التي رزقهم الله ، وأعطاهموها طيبة بها أنفسهم ، ولم ينفقوها رئاء الناس التماس الذكر والفخر عند أهل الكفر بالله ، والمحمدة بالباطل عند الناس ، وكان الله بهؤلاء الذين وصف صفتهم أنهم ينفقون أموالهم رئاء الناس نفاقا ، وهم بالله واليوم الاَخر مكذّبون ، عليما ، يقول : ذا علم بهم وبأعمالهم وما يقصدون ويريدون بانفاقهم ، وما ينفقون من أموالهم ، وأنهم يريدون بذلك الرياء والسمعة والمحمدة في الناس ، وهو حافظ عليهم أعمالهم ، لا يخفى عليه شيء منها حتى يجازيهم بها جزاءهم عنا معادهم إليه .
{ وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله } أي وما الذي عليهم ، أو أي تبعه تحيق بهم بسبب الإيمان والإنفاق في سبيل الله ، وهو توبيخ لهم على الجهل بمكان المنفعة والاعتقاد في الشيء على خلاف ما هو عليه ، وتحريض على الفكر لطلب الجواب لعله يؤدي بهم إلى العلم بما فيه من الفوائد الجليلة ، والعوائد الجميلة . وتنبيه على أن المدعو إلى أمر لا ضرر فيه ينبغي أن يجيب إليه احتياطا ، فكيف إذا تضمن المنافع . وإنما قدم الإيمان ها هنا وأخره في الآية لأخرى لأن القصد بذكره إلى التخصيص ها هنا والتعليل ثم { وكان الله بهم عليما } وعيد لهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.